لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ هَذَا الْبَاقِي مِنْهُمَا وَحْدَهُ. فَإِنْ أَرَادَ الْحَاكِمُ رَدَّ النَّظَرِ إلَى الْبَاقِي مِنْهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَوْ كَانَ لَهُ لِمَوْتِ الْمُوصِي عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، كَانَ لَهُ رَدُّهُ إلَى وَاحِدٍ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَيَكُونُ نَاظِرًا بِالْوَصِيَّةِ مِنْ الْمُوصِي، وَالْأَمَانَةِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِم. وَلَنَا، أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ هَذَا وَحْدَهُ، فَوَجَبَ ضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمَا جَمِيعًا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْصِبَ مَكَانَهُمَا. وَهَلْ لَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الْوَصِيَّانِ، صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُوصِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَاكْتُفِيَ بِوَاحِدٍ، كَذَا هَاهُنَا. وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَيًّا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهَا وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَا مَعًا. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ إلَّا اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ، فَلَمْ يَقْتَنِعْ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَيًّا. فَأَمَّا إنْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْوَصِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَهُ أَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا لَهُ النَّظَرُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ مَاتَا مَعًا، أَوْ خَرَجَا عَنْ الْوَصِيَّةِ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ وَاحِدًا يَتَصَرَّفُ. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ تَغْيِيرًا لَا يُزِيلُهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، كَالْعَجْزِ عَنْهَا لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَا مِمَّنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا، فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا أَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا يَكْفِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَحْدَهُ؛ لِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ أَمِينًا. وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَيْسَ لَأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَ مَنْ ضَعُفَ عَنْهَا أَمِينًا، يَتَصَرَّفُ مَعَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَصِيرُونَ ثَلَاثَةً؛ الْوَصِيَّانِ وَالْأَمِينُ مَعَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ.
[فَصْل اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ عِنْدَ مَنْ يُجْعَلُ الْمَالُ مِنْهُمَا]
(٤٧٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ عِنْدَ مَنْ يُجْعَلُ الْمَالُ مِنْهُمَا، لَمْ يُجْعَلْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمَا، وَجُعِلَ فِي مَكَان تَحْتَ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَأْمَنْ أَحَدَهُمَا عَلَى حِفْظِهِ، وَلَا التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِي مُرَادِهِ بِكَلَامِهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوصًى إلَيْهِ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute