بِهِ، ثُمَّ جَحَدَهُ. وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا، صَحَّ رُجُوعُهُ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَمْ يُبْطِلْ نَسَبَهُ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الَّذِي لَمْ يَرْجِعْ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْأَبَ، وَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، فَقَتَلَاهُ قَبْلَ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَفَيَا نَسَبَهُ، لَمْ يَنْتَفِ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَنْتَفِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ، فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللَّعَّانِ. وَفَارَقَ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ، لَحِقَ الْآخَرَ، وَهَا هُنَا لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي، أَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ ثَمَّ بِالِاعْتِرَافِ، فَيَسْقُطُ بِالْجَحْدِ، وَهَا هُنَا يَثْبُتُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْوَطْءِ، فَلَا يَنْتَفِي بِالْجَحْدِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَا قُلْنَا، سَوَاءٌ.
[فَصْل قَتَلَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ صَاحِبَهُ وَلَهُمَا وَلَدٌ]
(٦٦٢٦) فَصْلٌ: وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ صَاحِبَهُ، وَلَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ، لِوَلَدِهِ، وَلَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ قِصَاصٌ عَلَى وَالِده؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ لَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلَدٌ سِوَاهُ، أَوْ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقِصَاصُ، لَوَجَبَ لَهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُ وُجُوبُهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْضُهُ، سَقَطَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. وَصَارَ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَلَدٌ مِنْهُمَا، وَجَبَ الْقِصَاصُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يُقْتَلُ الزَّوْجُ بِامْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الْأَمَةَ. وَلَنَا، عُمُومَاتُ النَّصِّ، وَلِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ، يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَذْفِ صَاحِبِهِ، فَيُقْتَلُ بِهِ، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مَلَكَهَا. غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهَا حُرَّةٌ، وَإِنَّمَا مَلَكَ مَنْفَعَةَ الِاسْتِمْتَاعِ، فَأَشْبَهَ الْمُسْتَأْجَرَةَ؛ وَلِهَذَا تَجِبْ دِيَتُهَا عَلَيْهِ، وَيَرِثُهَا وَرَثَتُهَا، وَلَا يَرِثُ مِنْهَا إلَّا قَدْرَ مِيرَاثِهِ، وَلَوْ قَتَلَهَا غَيْرُهُ، كَانَ دِيَتُهَا أَوْ الْقِصَاصُ لِوَرَثَتِهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
[فَصْلٌ قَتَلَ رَجُلٌ أَخَاهُ فَوَرِثَهُ ابْنُهُ أَوْ أَحَدًا يَرِثُ ابْنُهُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ مِيرَاثِهِ]
(٦٦٢٧) فَصْلٌ: وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ أَخَاهُ، فَوَرِثَهُ ابْنُهُ، أَوْ أَحَدًا يَرِثُ ابْنُهُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ مِيرَاثِهِ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ قَتَلَ خَالَ ابْنِهِ، فَوَرِثَتْ أُمُّ ابْنِهِ الْقِصَاصَ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ بِقَتْلِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ، فَوَرِثَهَا ابْنُهُ، سَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مَا مُنِعَ مُقَارِنًا أُسْقِطَ طَارِئًا، وَتَجِبُ الدِّيَةُ. وَلَوْ قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ أَخَا زَوْجِهَا، فَصَارَ الْقِصَاصُ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ لِابْنِهَا، سَقَطَ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ صَارَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً، أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute