للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي جَوَازَ الْكِتَابَةِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ". وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ مَوْقُوفٌ - كَقَوْلِهِ فِي الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ فَإِنْ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ، صَحَّتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهَا قَوْلَانِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ، فَعَجَزَا جَمِيعًا، صَارَا رَقِيقَيْنِ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي، فَوَلَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُكَاتِبِهِ. وَإِنْ أَدَّى الْأَوَّلُ، وَعَجَزَ الثَّانِي، صَارَ رَقِيقًا لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ، وَأَدَّى الثَّانِي، فَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ عِتْقِ الْأَوَّلِ، عَتَقَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْوَلَاءِ، وَالْوَلَاءُ لَا يُوقَفُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ، فَهُوَ كَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَقِفُ، كَذَلِكَ سَبَبُهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَوْقُوفٌ، إنْ أَدَّى عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ فِي مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ، كَمَا لَمْ يَقِفْ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ. فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ النَّسَبَ يَقِفُ عَلَى بُلُوغِ الْغُلَامِ، وَانْتِسَابِهِ إذَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِ الْوَاطِئِينَ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ يُوقَفُ، عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ، وَبَيْنَ الْوَلَاءِ، أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لِشَخْصٍ، ثُمَّ يَنْتَقِلَ، وَهُوَ مَا يَجُرُّهُ مَوَالِي الْأَبِ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، وَالنَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَقُلْنَا: الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ. وَرِثَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مَوْقُوفٌ. فَمِيرَاثُهُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ.

[فَصْلٌ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ نَسِيئَةً]

(٨٧٣٩) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَسِيئَةً، وَإِنْ بَاعَ السِّلْعَةَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِالْمَالِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالْمَالِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ، بِنَاءً عَلَى الضَّارِبِ، أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ نَسِيئَةً. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. وَسَوَاءٌ أَخَذَ بِالثَّمَنِ ضَمِينًا، أَوْ رَهْنًا، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَمْ يَزُلْ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتْلَفَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفْلِسَ الْغَرِيمُ وَالضَّمِينُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ مَعَ الرَّهْنِ أَوْ الضَّمِينِ؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِهِ، وَالْعَوَارِضُ نَادِرَةٌ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي حَالًّا، وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ مُؤَجَّلَةً، جَازَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ رِبْحٌ.

وَإِنْ اشْتَرَى نَسِيئَةً، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ، وَقَدْ يَتْلَفُ، أَوْ يَجْحَدُهُ الْغَرِيمُ. وَلَيْسَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>