وَيَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، إذَا أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِيهِ، لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ تَفْوِيتِ حُرِّيَّتِهِ كَمَا أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَلْزَمُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ فِي التَّكْفِيرِ، وَمَتَى أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، انْبَنَى عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ إذَا مَلَكَهُ سَيِّدُهُ؛ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ. لَمْ يَصِحَّ تَكْفِيرُهُ بِعِتْقٍ وَلَا إطْعَامٍ وَلَا كِسْوَةٍ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ سَيِّده أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّهُ يُكَفِّرُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ. صَحَّ تَكْفِيرُهُ بِالطَّعَامِ إذَا أَذِنَ فِيهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، سَبَقَ ذِكْرُهُمَا فِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ فِي الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنَّمَا مِلْكُهُ نَاقِصٌ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ، صَحَّ، كَالتَّبَرُّعِ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ فِي الْكِتَابَةِ]
(٨٧٩٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ فِي الْكِتَابَةِ، يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْأَمَةِ، كَمَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْعَبْدِ. لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ، بَرِيرَةَ، وَحَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. وَلِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] . وَلِأَنَّهَا يُمْكِنُهَا التَّكَسُّبُ وَالْأَدَاءُ، فَهِيَ كَالْعَبْدِ. وَإِذَا أَتَتْ الْمُكَاتَبَةُ بِوَلَدٍ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، إمَّا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا، مَوْقُوفٌ عَلَى عِتْقِهَا، فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، عَتَقَ، وَإِنْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهَا، وَعَادَتْ إلَى الرِّقِّ، عَادَ رَقِيقًا. وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا كَانَ حَمْلًا حَالَ الْكِتَابَةِ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهَا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ عَبْدٌ قِنٌّ، لَا يَتْبَعُ أُمَّهُ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، فَلَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، كَالتَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ ثَابِتٌ لِلْعِتْقِ، لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ كَالِاسْتِيلَادِ، وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْبَيْعِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْكَلَامُ فِي الْوَلَدِ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ؛ فِي قِيمَتِهِ إذَا تَلِفَ وَفِي كَسْبِهِ، وَفِي نَفَقَتِهِ وَفِي عِتْقِهِ. أَمَّا قِيمَتُهُ إذَا تَلِفَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ لِأُمِّهِ، تَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ عَبْدًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ قِيمَتَهُ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ جَنَى عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا، كَانَ أَرْشُهُ لَهَا، كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute