للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ، لِيُعْلَمَ هَلْ يَقَعُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَغْبِنُ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ أَوْ لَا؟ وَإِيجَابُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ الْمُمَيِّزِ الْمُكَاتَبَةَ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ الْمُكَاتِبُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا، فَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ وَلَا قَوْلِهِ.

وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَلَّفُ عَبْدَهُ الطِّفْلَ أَوْ الْمَجْنُونَ، لَمْ يَثْبُتْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ حُكْمُ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا، وَلَكِنْ إنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ، فَأَنْتُمَا حُرَّانِ. فَأَدَّيَا، عَتَقَ بِالصِّفَةِ لَا بِالْكِتَابَةِ، وَمَا فِي أَيْدِيهِمَا لِسَيِّدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، لَمْ يَعْتِقَا. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَعْتِقَانِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الصِّفَةِ، فَيَحْصُلُ الْعِتْقُ هَاهُنَا بِالصِّفَةِ الْمَحْضَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ صَرِيحًا وَلَا مَعْنًى، وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدٌ بَاطِلٌ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ.

[فَصْلٌ كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ]

(٨٦٩٤) فَصْلٌ: وَإِذَا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ مِنْهُ. وَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، نَظَرَ فِي الْعَقْدِ؛ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ، أَمْضَاهُ، سَوَاءٌ تَرَافَعَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَا قَدْ تَقَابَضَا حَالَ الْكُفْرِ، فَتَكُونَ الْكِتَابَةُ مَاضِيَةً، وَالْعِتْقُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ مَا تَمَّ فِي حَالِ الْكُفْرِ، لَا يَنْقُصُهُ الْحَاكِمُ، وَيَحْكُمُ بِالْعِتْقِ، سَوَاءٌ تَرَافَعَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: تَقَابَضَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْمَعْقُودَةِ فِي الْإِسْلَامِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ: تَرَافَعَا قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضِ الْفَاسِدِ، أَوْ قَبْضِ بَعْضِهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرْفَعُ هَذِهِ الْكِتَابَةَ، وَيُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ تَنْبَرِمُ بِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا، أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا، فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ التَّغْلِيبَ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا، لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ، وَيُؤَدِّي قِيمَةَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالنِّكَاحِ، وَلَوْ أَمْهَرَهَا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، بَطَلَ الْخَمْرُ، وَلَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَوْ عَقَدَهُ الْمُسْلِمُ كَانَ فَاسِدًا، فَإِذَا أَسْلَمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، حُكِمَ بِفَسَادِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ فَإِنَّهُ لَوْ عَقَدَهُ الْمُسْلِمُ بِخَمْرٍ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الذِّمِّيِّ، لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِالْكِتَابَةِ عَنْ تَصَرُّفِ الْكَافِرِ فِيهِ، فَإِنْ عَجَزَ، أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ حِينَئِذٍ. وَإِنْ اشْتَرَى مُسْلِمًا، فَكَاتَبَهُ، لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>