فِي الْقُرْآنِ رَقَبَةً لَيْسَتْ بِمُؤْمِنَةٍ، فَالصَّبِيُّ يُجْزِئُ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ الْوَاجِبَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، فَمَا لَمْ تَحْصُلْ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، لَمْ يَحْصُلْ الْعَمَلُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، فِي قَوْلِهِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] قَالَ: قَدْ صَلَّتْ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ مَكْحُولٌ إذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ فَهُوَ نَسَمَةٌ، فَإِذَا تَقَلَّبَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَهُوَ رَقَبَةٌ، فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ مُؤْمِنَةٌ. وَلِأَنَّ الطِّفْلَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ عِبَادَةٌ؛ لِفَقْدِ التَّكْلِيفِ، فَلَمْ يُجْزِئْ فِي الْكَفَّارَةِ، كَالْمَجْنُونِ، وَلِأَنَّ الصِّبَا نَقْصٌ يَسْتَحِقّ بِهِ النَّفَقَةَ عَلَى الْقَرِيبِ، أَشْبَهَ الزَّمَانَةَ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الْإِسْلَامُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا «، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ السُّلَمِيَّ، أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَارِيَةٍ، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: مَنْ أَنَا؟ . قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَارِيَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إلَى السَّمَاءِ. قَالَ: مَنْ أَنَا؟ . فَأَشَارَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ وَإِلَى السَّمَاءِ. أَيْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَعْتِقْهَا؛» .
فَحَكَمَ لَهَا بِالْإِيمَانِ بِهَذَا الْقَوْلِ.
[فَصْلٌ إعْتَاقُ الْجَنِينِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
(٨٠٣٤) فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ الْجَنِينِ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَمْلُوكٌ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ، كَالْمَوْلُودِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا كَوْنُهُ آدَمِيًّا؛ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ نُطْفَةٌ أَوْ عَلَقَةٌ، وَلَيْسَ بِآدَمِيٍّ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
الثَّالِثُ، أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا نَقْصٌ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ. وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ. وَيُجْزِئُ الصَّبِيُّ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَاضٍ إلَى زَوَالٍ، وَصَاحِبُهُ سَائِرٌ إلَى الْكَمَالِ. وَلَا يُجْزِئُ الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ نَقْصَهُ لَا غَايَةَ لِزَوَالِهِ مَعْلُومَةٌ، فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ.
[فَصْلٌ أَعْتَقَ غَائِبًا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَتَجِيءُ أَخْبَارُهُ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(٨٠٣٥) فَصْلٌ: فَإِنْ أَعْتَقَ غَائِبًا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَتَجِيءُ أَخْبَارُهُ صَحَّ، وَأَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، كَالْحَاضِرِ. وَإِنْ شُكَّ فِي حَيَاتِهِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ، لَمْ يُحْكَمْ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ، وَلَا تَبْرَأُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا الْعَبْدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute