مُسْلِمَانِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ، أُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ: لَسْت لِأَبِيك. فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْقَاذِفِ عِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَصِحُّ أَنْ يُحَدَّ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا قَذْفٌ لِأُمِّهِ، فَيُعْتَبَرُ إحْصَانُهَا دُونَ إحْصَانِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً، كَانَ الْقَذْفُ لَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَيِّتَةً؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ أُمَّك زَنَتْ، فَأَتَتْ بِك مِنْ الزِّنَا، فَإِذَا كَانَ مِنْ الزِّنَا مَنْسُوبًا إلَيْهَا، كَانَتْ هِيَ الْمَقْذُوفَةَ دُونَ وَلَدِهَا. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَذْفُ لَهَا، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، وَالْعَبْدَ لَا يَرِثُ الْحُرَّ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ الْحَدَّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ بِحَالٍ، فَيَثْبُتُ أَنَّ الْقَذْفَ لَهُ، فَيُعْتَبَرُ إحْصَانُهُ دُونَ إحْصَانِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[فَصْلٌ مُطَالَبَةُ الِابْنِ بِحَدِّ الْقَذْفِ عَنْ جَدَّتِهِ]
(٧٢٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قُذِفَتْ جَدَّتُهُ، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ كَقَذْفِ أُمِّهِ، إنْ كَانَتْ حَيَّةً، فَالْحَقُّ لَهَا، وَيُعْتَبَرُ إحْصَانُهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا الْمُطَالَبَةُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ. فَأَمَّا إنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ، أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ، لِنَفْيِ نَسَبِهِ، لَا حَقًّا لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ، وَاعْتُبِرَ إحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ، لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ، فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُحْصَنًا، فَلِوَلِيِّهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَيَنْقَسِمُ انْقِسَامَ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، كَالْحَيِّ.
وَلَنَا أَنَّهُ قَذْفُ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمُطَالَبَةُ، فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ، كَالْمَجْنُونِ، أَوْ نَقُولُ: قَذَفَ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ، كَقَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَفَارَقَ قَذْفَ الْحَيِّ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لَهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ]
(٧٢٤٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) يَعْنِي أَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَحْمَدُ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ رِدَّةٌ، وَالْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ، وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ.
وَلَنَا أَنَّ هَذَا حَدُّ قَذْفٍ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، كَقَذْفِ غَيْرِ أُمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَسَقَطَ حَدُّهُ، لَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا مِنْ قَذْفِ آحَادِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ قَذْفَ غَيْرِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute