للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلِ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا]

(٦١٧٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَنَوَى الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا، كَانَ ظِهَارًا، وَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا وَطَلَاقًا، وَالظِّهَارُ أَوْلَى بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُقَالُ لَهُ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ قَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ. كَانَ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الظِّهَارَ وَالطَّلَاقَ، كَانَ ظِهَارًا؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لَهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا بَدَأَ بِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِلَفْظَةِ الْحَرَامِ يَنْوِي بِهَا الظِّهَارَ، فَكَانَتْ ظِهَارًا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ الظِّهَارُ بِنِيَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ زَاحَمَتْ نِيَّتُهُ نِيَّةَ الظِّهَارِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَالظِّهَارُ أَوْلَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ، فَيَجِبُ أَنْ يُغَلَّبَ مَا هُوَ الْأَوْلَى، أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ حُكْمٌ لَهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُطَلَّقَةٌ مُبَاحَةٌ.

وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُهَا حِينَ لَفَظَ بِهَا؛ لِكَوْنِهِ أَهْلًا وَالْمَحَلِّ قَابِلًا، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، لَكَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ حِينِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَلَيْسَ إلَيْهِ رَفْعُ حُكْمٍ ثَبَتَ فِي الْمَحَلِّ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِبْدَالُهُ بِإِرَادَتِهِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاخْتِيَارَ. وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِجَمِيعِ لَفْظِهِ، لَا بِمَا بَدَأَ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. لَمْ يَلْزَمْ طَلَاقُ الْأُولَى.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ شَبَّهَ عُضْوًا مِنْ امْرَأَتِهِ بِظَهْرِ أُمِّهِ]

(٦١٧٤) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا شَبَّهَ عُضْوًا مِنْ امْرَأَتِهِ بِظَهْرِ أُمِّهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَهُوَ مُظَاهِرٌ، فَلَوْ قَالَ: فَرْجُك، أَوْ ظَهْرُك، أَوْ رَأْسُك، أَوْ جِلْدُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ بَدَنِهَا، أَوْ رَأْسِهَا، أَوْ يَدِهَا. فَهُوَ مُظَاهِرٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ حَتَّى يُشَبِّهَ جُمْلَةَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَمَسُّ عُضْوًا مِنْهَا، لَمْ يَسْرِ إلَى غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُظَاهَرَةُ، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ جُمْلَتِهَا تَشْبِيهٌ لِمَحَلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا يَتَأَكَّدُ تَحْرِيمُهُ، وَفِيهِ تَحْرِيمٌ لِجُمْلَتِهَا، فَيَكُونُ آكَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ شَبَّهَهَا بِمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمِّ، كَالْفَرْجِ، وَالْفَخِذِ، وَنَحْوِهِمَا، فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ، كَالرَّأْسِ، وَالْوَجْهِ، لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِعُضْوِ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِعُضْوِ زَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى.

وَلَنَا أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ، فَكَانَ مُظَاهِرًا، كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا، وَفَارَقَ الزَّوْجَةَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَالنَّظَرُ إنْ لَمْ يَحْرُمْ، فَإِنَّ التَّلَذُّذَ يَحْرُمُ، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>