فِي الْحُكْمِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُفْرِدٌ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَكَذَلِكَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ فِي حَالِ الْعِلْمِ، فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصْرِفُهُ إلَى الْقِرَانِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَتَحَرَّى، فَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِط الْعِبَادَةِ، فَيَدْخُلُهُ التَّحَرِّي كَالْقِبْلَةِ. وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ عَلَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُمْ، فَعَلَى هَذَا إنْ صَرَفَهُ إلَى الْمُتْعَةِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ. عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا.
وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْعُمْرَةِ، إذْ مِنْ الْمُحْتَمِلِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا، وَلَيْسَ لَهُ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَتَكُونُ صِحَّةُ الْعُمْرَةِ مَشْكُوكًا فِيهَا، فَلَا تَسْقُطُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِالشَّكِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْقِرَانِ يَقِينًا، وَلَا يَجِبُ الدَّمُ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ. فَأَمَّا إنْ شَكَّ بَعْدَ الطَّوَافِ، لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَّا إلَى الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ غَيْرُ جَائِزٍ.
فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ الْحَجِّ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ النُّسُكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، فَلَمْ يَصِحَّ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَجًّا، وَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ الشَّكِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِلشَّكِّ فِيمَا يُوجِبُ الدَّمَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِلشَّكِّ فِيمَا يُوجِبُهُ.
وَإِنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الْوُقُوفِ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى، جَعَلَهُ عُمْرَةً، فَقَصَّرَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً فَقَدْ أَصَابَ وَكَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ إفْرَادًا أَوْ قِرَانًا لَمْ يَنْفَسِخْ بِتَقْصِيرِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ شَكَّ، وَلَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى، جَعَلَهُ قِرَانًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَارِنًا فَقَدْ أَصَابَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَصَارَ قَارِنًا، وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا لَغَا إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ، وَصَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ جَازَ أَيْضًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا، وَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ سَبَبِهِ.
[فَصْل أُحَرِّم بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ]
(٢٣٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا، وَلَغَتْ الْأُخْرَى. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، يَنْعَقِدُ بِهِمَا، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا، وَلَمْ يُتِمَّهَا.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا، فَلَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا، كَالصَّلَاتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَضَاؤُهَا؟ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا مَعًا؛ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِ بِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute