جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ دُونَ أَخْذِ الْعِوَضِ، فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَثْنَاةَ شَرْعًا، وَهُوَ مَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعٍ، وَاسْتَحَقَّ تَبْقِيَتَهُ إلَى حِينِ الْحَصَادِ، فَلَوْ أَخَذَهُ قَصِيلًا لِيَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَجَرْتُكهَا شَهْرًا]
(٢٩٢٥) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَجَرْتُكَهَا شَهْرًا. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَقَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَنَافِعَ، فَإِذَا أَجَرَهُ إيَّاهَا، فَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدَلٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ.» وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَحَّانًا، لِيَطْحَنَ لَهُ كِرَاءً بِقَفِيزٍ مِنْهُ، فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَهُ فِي الْقَفِيزِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ فِي بَاقِي الْكِرَاءِ الْمَطْحُونِ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ.
[فَصْلٌ لَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ]
(٢٩٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْمَبِيعِ إنَّ هُوَ بَاعَهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ. فَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فِي مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» . يَعْنِي أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ، وَأَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَهُمَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ نُهِيَ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ لِغَيْرِهِ إذَا أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أَصْلًا، وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: الْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: ابْتَعْت مِنْ امْرَأَتِي زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ جَارِيَةً، وَشَرَطْت لَهَا إنْ بِعْتهَا، فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا شَرْطٌ. قَالَ إسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْت لِأَحْمَدَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَ " لَا تَقْرَبْهَا "؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا شَرْطٌ وَاحِدٌ لِلْمَرْأَةِ.
وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ: فَاسِدٌ. فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَخَذَ بِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي فَسَادَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى فَسَادِ الشَّرْطِ؛ وَفِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ، فَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَالشَّرْطُ فَاسِدًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: " لَا تَقْرَبْهَا ". قَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ فِي مَنْ اشْتَرَطَ فِي الْأَمَةِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ وَلَاءَهَا، وَلَا يَقْرَبُهَا. وَالْبَيْعُ جَائِزٌ. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ: " لَا تَقْرَبْهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا مَثْنَوِيَّةٌ ". قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِمَكَانِ الْخِلَافِ فِي الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ بَاعَ حَائِطًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ صَاعًا]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ وَاسْتَثْنَى صَاعًا]
(٢٩٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا بَاعَ حَائِطًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ صَاعًا، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ نَخْلَةً أَوْ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا، جَازَ. الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ؛ (٢٩٢٨) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّهُ إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ، وَاسْتَثْنَى صَاعًا، أَوْ آصُعًا، أَوْ مُدًّا، أَوْ أَمْدَادًا، أَوْ بَاعَ صُبْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute