فِيهَا ذَلِكَ، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ، فَإِنَّ فِي ضِمْنِهِمَا تَوْكِيلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا، كَذَا هَاهُنَا. فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ.
أَوْ أَطْلَقَ الْوَقْتَ، فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْت أَنَا مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ. جَازَ، وَكَانَتْ شَرِكَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ، وَيَكُونُ تَوْكِيلًا لَهُ فِي شِرَاءِ نِصْفِ الْمَتَاعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ الْحَاصِلِ فِي الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ خَصَّ ذَلِكَ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ أَطْلَقَ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَا: مَا اشْتَرَيْنَاهُ أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا مِنْ تِجَارَةٍ فَهُوَ بَيْنَنَا. فَهُوَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهُمَا فِي تَصَرُّفَاتِهِمَا، وَمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، وَفِي إقْرَارِهِمَا، وَخُصُومَتِهِمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ شَرِيكِي الْعِنَانِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَيُّهُمَا عَزَلَ صَاحِبَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ، انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يَشْتَرِيَانِ بِجَاهِهِمَا، وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدُ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَجِيهٌ. إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: ٦٩] . وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ، أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ يَا رَبِّ، إنْ كَانَ قَدْ خَلِقَ جَاهِي عِنْدَك، فَأَسْأَلُك بِحَقِّ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي تَبْعَثُهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ: مَا خَلِقَ جَاهُك عِنْدِي، وَإِنَّك عِنْدِي لَوَجِيهٌ.
[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْعِنَانِ]
(٣٦٢٧) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَشْتَرِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِمَا. وَهَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةُ، وَهِيَ شَرِكَةُ الْعِنَانِ. وَمَعْنَاهَا: أَنْ يَشْتَرِكَ رَجُلَانِ بِمَالَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهِمَا، بِأَبْدَانِهِمَا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ تَسْمِيَتِهَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ، فَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ، كَالْفَارِسَيْنِ إذَا سَوَّيَا بَيْنَ فَرَسَيْهِمَا، وَتَسَاوَيَا فِي السَّيْرِ، فَإِنَّ عِنَانَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءً.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا عَرَضَ، يُقَالُ: عَنَّتْ لِي حَاجَةٌ. إذَا عَرَضَتْ، فَسُمِّيت الشَّرِكَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنَّ لَهُ أَنْ يُشَارِكْ صَاحِبَهُ. وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُعَانَنَةِ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ، يُقَالُ: عَانَنْت فُلَانًا. إذَا عَارَضْته بِمِثْلِ مَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَفِعَالِهِ.
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ.
(٣٦٢٨) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ رَأْسِ الْمَالِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، فَإِنَّهُمَا قِيَمُ الْأَمْوَالِ وَأَثْمَانُ الْبَيَّاعَات،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute