يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّعْجِيلُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَيْسَرُ مِنْ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ مَعَ التَّخْيِيرِ، فَيَخْتَارُ أَيْسَرَهُمَا عَلَيْهِ، وَأَحَبَّهُمَا إلَيْهِ، وَمَعَ التَّعْيِينِ يَفُوتُهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا ضَمُّهُ إلَيْهِ فِي النِّصَابِ، فَلِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ لِحُصُولِ الْغِنَى، وَقَدْ حَصَلَ الْغِنَى بِالنِّصَابِ الْأَوَّلِ، وَالْحَوْلُ مُعْتَبَرٌ، لِاسْتِنْمَاءِ الْمَالِ؛ لِيَحْصُلَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمُرُورِ الْحَوْلِ عَلَى أَصْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحَوْلُ لَهُ.
(١٧٤٥) فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَإِنْ نَقَصَ الْحَوْلُ نَقْصًا يَسِيرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ثَبَتَ، أَنَّ نَقْصَ الْحَوْلِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، أَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَمَاتَتْ مِنْهَا شَاةٌ وَنُتِجَتْ أُخْرَى: إذَا كَانَ النِّتَاجُ وَالْمَوْتُ حَصَلَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَنْقُصْ، وَكَذَلِكَ إنْ تَقَدَّمَ النِّتَاجُ الْمَوْتَ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَوْتُ النِّتَاجَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ سَقَطَ بِنُقْصَانِ النِّصَابِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ أَرَادَ بِهِ النَّقْصَ فِي طَرَفِ الْحَوْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَاحِدِ الزَّمَنَ الْمُتَقَارِبَ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّصَابَ إذَا كَمَلَ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ، لَمْ يَضُرَّ نَقْصُهُ فِي وَسَطِهِ. وَلَنَا، أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.» يَقْتَضِي مُرُورَ الْحَوْلِ عَلَى جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ اُعْتُبِرَ فِي وَسَطِهِ، كَالْمِلِكِ وَالْإِسْلَامِ.
(١٧٤٦) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ مَا حَالُ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ إلَّا مُنْذُ شَهْرٍ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِي وَدِيعَةً، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته مِنْ قَرِيبٍ، أَوْ قَالَ: بِعْته فِي الْحَوْلِ، ثُمَّ اشْتَرَيْته. أَوْ رُدَّ عَلَيَّ وَنَحْوَ هَذَا، مِمَّا يَنْفِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ.
[مَسْأَلَة تَقْدِيم الزَّكَاة]
(١٧٤٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَجُوزُ تَقْدِمَةُ الزَّكَاةِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ النِّصَابُ الْكَامِلُ، جَازَ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ وَدَاوُد لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute