وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ، لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانُوا يُعْطُونَهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا مِنْ بَعْدِ نِصْفِ الشَّهْرِ، كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ فَأَشْبَهَتْ زَكَاةَ الْمَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الصَّدَقَةِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ عَنْهُ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ، جَازَ تَعْجِيلُهَا، كَزَكَاةِ الْمَالِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ. وَلَنَا، مَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِهِ، فَيُقْسَمُ - قَالَ يَزِيدُ أَظُنُّ: هَذَا يَوْمَ الْفِطْرِ - وَيَقُولُ أَغْنَوْهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ ". وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَمَتَى قَدَّمَهَا بِالزَّمَانِ الْكَثِيرِ لَمْ يَحْصُلْ إغْنَاؤُهُمْ بِهَا يَوْمَ الْعِيدِ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْفِطْرُ؛ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ سَبَبُهَا مِلْكُ النِّصَابِ، وَالْمَقْصُودُ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ بِهَا فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ فَجَازَ إخْرَاجُهَا فِي جَمِيعِهِ، وَهَذِهِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِغْنَاءُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ. فَأَمَّا تَقْدِيمُهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَجَائِزٌ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»
وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَعْجِيلَهَا بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا تَبْقَى أَوْ بَعْضَهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ، فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الطَّوَافِ وَالطَّلَبِ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا زَكَاةٌ، فَجَازَ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا، كَزَكَاةِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةُ فَرْضُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ]
(١٩٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ عِيَالِهِ، إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ. عِيَالُ الْإِنْسَانِ: مَنْ يَعُولُهُ. أَيْ يَمُونُهُ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُمْ، كَمَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ، إذَا وَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَعَبْدٍ، مِمَّنْ تَمُونُونَ.» وَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ نَفَقَتُهُمْ وَفِطْرَتُهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: الزَّوْجَاتُ، وَالْعَبِيدُ، وَالْأَقَارِبُ. فَأَمَّا الزَّوْجَاتُ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُنَّ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ امْرَأَتِهِ. وَعَلَى الْمَرْأَةِ فِطْرَةُ نَفْسِهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى» . وَلِأَنَّهَا زَكَاةٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا، كَزَكَاةِ مَالِهَا. وَلَنَا، الْخَبَرُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ، كَالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ، بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute