للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الصَّلَاةُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ وَالنَّائِمِ]

(١٢١٤) فَصْلٌ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ، لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِحَدِيثِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً، وَلَا يُكْرَهُ فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا فِي التَّطَوُّعِ، وَالْفَرِيضَةُ أَشَدُّ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَالْمُتَحَدِّثِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَخَرَجَ التَّطَوُّعُ مِنْ عُمُومِهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، بَقِيَ الْفَرْضُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ ضَعِيفٌ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ إلَّا فِي صَلَاةِ الرَّاكِبِ.

وَتَقْدِيمُ قِيَاسِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَوْلَى مِنْ الْخَبَرِ الضَّعِيفِ.

[فَصْلٌ الصَّلَاة مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ إنْسَانٍ]

(١٢١٥) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ إنْسَانٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي حِذَاءَ وَسَطِ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، تَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلَّ انْسِلَالًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ شِبْهُ السُّجُودِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى نَارٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ التَّنُّورُ فِي قِبْلَتِهِ لَا يُصَلِّي إلَيْهِ.

وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي السِّرَاجِ وَالْقِنْدِيلِ يَكُونُ فِي الْقِبْلَةِ: أَكْرَهُهُ. وَأَكْرَهُ كُلَّ شَيْءٍ. حَتَّى كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا شَيْئًا فِي الْقِبْلَةِ حَتَّى الْمُصْحَفَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّارَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَالصَّلَاةُ إلَيْهَا تُشْبِهُ الصَّلَاةَ لَهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُصَلِّ إلَى صُورَةٍ مَنْصُوبَةٍ فِي وَجْهِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَجَعَلْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَهَانِي. أَوْ قَالَتْ: كَرِهَ ذَلِكَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّ التَّصَاوِيرَ تَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَتُذْهِلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ مُعَلَّقٌ، مُصْحَفٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ. وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَدَعُ شَيْئًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ إلَّا نَزَعَهُ، لَا سَيْفًا وَلَا مُصْحَفًا. رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ.

قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يُكْتَبُ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ قَلْبَ الْمُصَلِّي، وَرُبَّمَا اشْتَغَلَ بِقِرَاءَتِهِ عَنْ صَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ تَزْوِيقُهَا، وَكُلُّ مَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: «اذْهَبُوا بِهَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي. وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ: «أَمِيطِي عَنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>