للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأُرْزِ، وَالدُّخْنِ، وَالذُّرَةِ، وَالْقُطْنِيَّاتِ، وَالدُّهْنِ، وَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَنَحْوِهِ.

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، سِوَى قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ شَذَّ عَنْ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَقَصَرَ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْيَاءِ.

وَمَا انْعَدَمَ فِيهِ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالطَّعْمُ، وَاخْتَلَفَ جِنْسُهُ، فَلَا رِبَا فِيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَالتِّينِ، وَالنَّوَى، وَالْقَتِّ، وَالْمَاءِ، وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ دَوَاءً، فَيَكُونُ مَوْزُونًا مَأْكُولًا، فَهُوَ إذًا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَمَا عَدَاهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا، فَجَرَى مَجْرَى الرَّمْلِ وَالْحَصَى.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: «لَا تَأْكُلِي الطِّينَ، فَإِنَّهُ يُصَفِّرُ اللَّوْنَ» . وَمَا وُجِدَ فِيهِ الطَّعْمُ وَحْدَهُ، أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ، مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حِلُّهُ؛ إذْ لَيْسَ فِي تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَلَا مَعْنًى يُقَوِّي التَّمَسُّكَ بِهِ، وَهِيَ مَعَ ضَعْفِهَا يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَوَجَبَ اطِّرَاحُهَا، أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَالرُّجُوعُ إلَى أَصْلِ الْحِلِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالِاعْتِبَارُ.

وَلَا فَرْقَ فِي الْمَطْعُومَاتِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ قُوتًا، كَالْأُرْزِ، وَالذُّرَةِ، وَالدُّخْنِ، أَوْ أُدْمًا كَالْقُطْنِيَّاتِ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، أَوْ تَفَكُّهًا كَالثِّمَارِ، أَوْ تَدَاوِيًا كَالْإِهْلِيلَجِ، وَالسَّقَمُونْيَا، فَإِنَّ الْكُلَّ فِي بَابِ الرِّبَا وَاحِدٌ.

[فَصْلٌ مَا جَرَى الرِّبَا فِي كَثِيرِهِ جَرَى فِي قَلِيلِهِ]

(٢٧٩٧) فَصْلٌ، وَقَوْلُهُ: مَا كِيلَ، أَوْ وُزِنَ. أَيْ: مَا كَانَ جِنْسُهُ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ كَيْلٌ، وَلَا وَزْنٌ، إمَّا لِقِلَّتِهِ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ، وَالْحَفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ، وَمَا دُونَ الْأُرْزَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ لِكَثْرَتِهِ كَالزُّبْرَةِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَرَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ، وَالْحَبَّةِ بِالْحَبَّتَيْنِ، وَسَائِرِ الْمَكِيلِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ، وَوَافَقَ فِي الْمَوْزُونِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْيَسِيرِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . وَلِأَنَّ مَا جَرَى الرِّبَا فِي كَثِيرِهِ جَرَى فِي قَلِيلِهِ، كَالْمَوْزُونِ. (٢٧٩٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ، وَلَا حَفْنَةٍ بِحَفْنَةٍ.

وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَلَا أَعْلَمُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ لَا تَجْرِي الْمُمَاثَلَةُ فِي غَيْرِهِ (٢٧٩٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا لَا وَزْنَ لِلصِّنَاعَةِ فِيهِ، كَمَعْمُولِ الْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>