[فَصْلٌ ادَّعَى زَرْعًا فِي يَد رَجُلٍ]
(٣٥٠٠) فَصْل: إذَا ادَّعَى زَرْعًا فِي يَدِ رَجُلٍ، فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ، جَازَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الزَّرْعِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ، فَأَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حُبِّهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَالَحَهُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ. وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ؛ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ زَرْعِ الْآخَرِ.
وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَوَاحِدٍ، فَأَقَرَّ لِلْمُدَّعِي بِنِصْفِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِنِصْفِ الْأَرْضِ لِيَصِيرَ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْمُقِرِّ، وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ جَازَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ كُلّه لِلْمُقِرِّ، فَجَازَ شَرْطُ قَطْعِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ فِي الزَّرْعِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ، وَهُوَ النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَهُوَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ، فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ قَطْعِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ قَطْعَ زَرْعٍ آخَرَ فِي أَرْضٍ أُخْرَى. وَإِنْ صَالِحَهُ مِنْهُ بِجَمِيعِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِيُسَلِّمَ الْأَرْضَ إلَيْهِ فَارِغَةً، صَحَّ؛ لِأَنَّ قَطْعَ جَمِيعِ الزَّرْعِ مُسْتَحَقٌّ نِصْفُهُ بِحُكْمِ الصُّلْحِ، وَالْبَاقِي لِتَفْرِيغِ الْأَرْضِ، فَأَمْكَنَ الْقَطْعُ.
وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِجَمِيعِ الزَّرْعِ، فَصَالَحَهُ مِنْ نِصْفِهِ عَلَى نِصْفِ الْأَرْضِ، لِيَكُونَ الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَشَرَطَ الْقَطْعَ فِي الْجَمِيعِ، احْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ شَرَطَا قَطْعَ كُلِّ الزَّرْعِ وَتَسْلِيمَ الْأَرْضِ فَارِغَةً، وَاحْتَمَلَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ الزَّرْعِ لَيْسَ بِمَبِيعٍ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ قَطْعِهِ فِي الْعَقْدِ.
[فَصْلٌ حُصِلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ]
(٣٥٠١) فَصْلٌ: إذَا حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ هَوَاءِ جِدَارٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ عَلَى نَفْسِ الْجِدَارِ، لَزِمَ مَالِكَ الشَّجَرَةِ إزَالَةُ تِلْكَ الْأَغْصَانِ، إمَّا بِرَدِّهَا إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَإِمَّا بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الْقَرَارَ، فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ كَالْقَرَارِ. فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إزَالَته، لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى إزَالَتِهِ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ.
وَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ، لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إزَالَتِهِ، وَيَضْمَنَ مَا تَلِفَ بِهِ، إذَا أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا مَالَ حَائِطُهُ إلَى مِلْكِ غَيْره، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، إذَا امْتَنَعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْهَوَاءِ إزَالَتُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَدْخُلُ دَارِهِ، لَهُ إخْرَاجُهَا، كَذَا هَاهُنَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
فَإِنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهَا بِلَا إتْلَافٍ وَلَا قَطْعٍ، مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُهُ وَلَا غَرَامَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهَا، كَمَا أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْبَهِيمَةِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهَا. فَإِنْ أَتْلَفَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ غَرِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَتُهَا إلَّا بِالْإِتْلَافِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُ مَالِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ.
فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إقْرَارِهَا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ رَطْبًا كَانَ الْغُصْنُ أَوْ يَابِسًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، لِكَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، بِخِلَافِ الْعِوَضِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْعِلْمِ؛ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الصُّلْحِ عَنْهُ، لِكَوْنِ ذَلِكَ