[فَصْلٌ فَجْر بِأُمَّةِ ثُمَّ قَتَلَهَا]
(٧١٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ فَجَرَ بِأَمَةٍ، ثُمَّ قَتَلَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَقِيمَتُهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا أَوْجَبْت عَلَيْهِ قِيمَتَهَا، أَسْقَطْت الْحَدَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَرَامَتِهِ لَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ. وَلَنَا، أَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِقَتْلِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَغَرِمَ دِيَتَهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَمْلِكُهَا. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا غَرِمَهَا بَعْدَ قَتْلِهَا، وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَلَكَهَا، فَإِنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ، فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا، وَلَوْ زَنَى بِأَمَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، الْحَدُّ، مَعَ ثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَلَوْ زَنَى بِأَمَةٍ، ثُمَّ غَصَبَهَا، فَأَبَقَتْ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ غَرِمَهَا، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدَّانِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمِلْكِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَبِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْلَى.
[فَصْل زَنَى مِنْ نِصْفه حُرّ وَنِصْفه رَقِيق]
(٧١٥٥) فَصْلٌ: وَإِذَا زَنَى مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ، فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكْمُلْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَنِصْفُ حَدِّ الْعَبْدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُغَرَّبَ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي جَمِيعِهِ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ، وَنَصِيبُهُ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ حَقِّهِ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَا تَأْخِيرُ حَقِّهِ بِالْمُهَايَأَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَغْرِيبِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ زَمَنُ التَّغْرِيبِ مَحْسُوبًا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ نَصِيبِهِ الْحُرِّ، وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُ عَامٍ بَدَلًا عَنْهُ، وَمَا زَادَ مِنْ الْحُرِّيَّةَ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا، فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا كَسْرٌ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثُهُ حُرًّا، فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثُلُثَا جَلْدِ الْحُرِّ. وَهُوَ سِتٌّ وَسِتُّونَ جَلْدَةً وَثُلُثَانِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْكَسْرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ، سَقَطَ. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ كُلُّهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.»
[مَسْأَلَة الزاني مِنْ أتي الْفَاحِشَة مِنْ قَبْل أودبر]
(٧١٥٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالزَّانِي مَنْ أَتَى الْفَاحِشَةَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي قُبُلِهَا حَرَامًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي وَطْئِهَا، أَنَّهُ زَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى، إذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ. وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ زِنًى لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَكَانَ زِنًى، كَالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] . الْآيَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute