[مَسْأَلَةٌ مُدَّة التَّكْبِيرِ يَوْم النَّحْر وَصِفَته]
(٢٥٧٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُكَبِّرُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيق) إنَّمَا خَصَّ الْمُحْرِمَ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَشْغُولٌ بِالتَّلْبِيَةِ، فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا عِنْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ، وَلَيْسَ بَعْدَهُمَا صَلَاةٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَيُكَبِّرُ حِينَئِذٍ بَعْدَهَا كَالْمُحِلِّ، وَيَسْتَوِي هُوَ وَالْحَلَالُ فِي آخِرِ مُدَّةِ التَّكْبِيرِ. وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ".
[فَصْل يُسْتَحَبّ لِمَنْ نَفَر أَنْ يَأْتِي الْمُحَصَّب]
(٢٥٧٨) فَصْلٌ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَفَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ، وَحَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، فَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ يَضْطَجِعَ يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، قَالَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِالْمُحَصَّبِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَكَانَ كَثِيرَ الِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَانَ طَاوُسٌ يُحَصِّبُ فِي شِعْبِ الْجَوْزِ. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَفْعَلُهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ، لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ سُنَّةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءِ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نُزُولَ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَمَنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ فَلِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَنْزِلُهُ، قَالَ نَافِعٌ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ.
[مَسْأَلَةٌ طَوَافَ الْوَدَاعِ]
(٢٥٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ يَطُوفُ بِهِ سَبْعًا، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَتَى مَكَّةَ لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقَامَةَ بِهَا، أَوْ الْخُرُوجَ مِنْهَا، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا، فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدَاعَ مِنْ الْمُفَارِقِ، لَا مِنْ الْمُلَازِمِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ أَوْ بَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ لَهُ النَّفْرُ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الطَّوَافُ وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَارِقٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ وَدَاعٌ، كَمَنْ نَوَاهَا قَبْلَ حِلِّ النَّفْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ ".
وَهَذَا لَيْسَ بِنَافِرٍ. فَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute