للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا؟ قَالَ: قَدْ جَعَلْته. وَأَخَذَ مِنْهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاضِ. وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُثْمَانَ قَارَضَهُ.

وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ فَلَا ضَمَانَ، هُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، أَنَّهُمَا قَارِضًا. وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ فَحَصَلَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تُنَمَّى إلَّا بِالتَّقَلُّبِ وَالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ، فَاحْتِيجَ إلَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَشَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ الْحَاجَتَيْنِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُضَارَبَةِ وَالْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مَوْضُوعَانِ لَهَا أَوْ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، فَجَازَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ، كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ فِي الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ حُكْم شَرِكَةِ الْمُضَارَبَة]

(٣٦٤٣) فَصْلٌ: وَحُكْمُهَا حُكْمُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، فِي أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ لِلشَّرِيكِ عَمَلُهُ جَازَ لِلْمُضَارِبِ عَمَلُهُ، وَمَا مُنِعَ مِنْهُ الشَّرِيكُ مُنِعَ مِنْهُ الْمُضَارِبُ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ ثَمَّ، فَهَاهُنَا مِثْلُهُ، وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَمَا لَا يَجُوزُ ثَمَّ لَا يَجُوزُ هَاهُنَا، عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ.

[فَصْلٌ أَنْ يَشْتَرِك مَالَانِ وَبَدَنُ]

(٣٦٤٤) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ، أَنْ يَشْتَرِكَ مَالَانِ وَبَدَنُ صَاحِبِ أَحَدِهِمَا. فَهَذَا يَجْمَعُ شَرِكَةً وَمُضَارَبَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ، وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ، فَأَذِنَ صَاحِبُ الْأَلْفَيْنِ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، صَحَّ، وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ ثُلُثُ الرِّبْحِ بِحَقِّ مَالِهِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثُلُثَا الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلْعَامِلِ رُبْعُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ، فَجَعَلْنَاهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ لِلْعَامِلِ، حِصَّةُ مَالِهِ سَهْمَانِ، وَسَهْمٌ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ فِي مَالِ شَرِيكِهِ، وَحِصَّةُ مَالِ شَرِيكِهِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، لِلْعَامِلِ سَهْمٌ وَهُوَ الرُّبْعُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ وَرَأْسُ الْمَالِ مُشَاعٌ؟ قُلْنَا: إنَّمَا تَمْنَعُ الْإِشَاعَةُ الْجَوَازَ إذَا كَانَتْ مَعَ غَيْرِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَعَ الْعَامِلِ، فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَلَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ. فَإِنْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الرِّبْحِ فَقَطْ، فَمَالُ صَاحِبِهِ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَيْسَتْ بِمُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ إذَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.

فَأَمَّا إذَا قَالَ: رِبْحُ مَالِكَ لَك، وَرِبْحُ مَالِي لِي. فَقَبِلَ الْآخَرُ، كَانَ إبْضَاعًا لَا غَيْرُ. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْقِرَاضِ شَرِكَةً، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ عَقْدَ إجَارَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>