للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَتِهِمْ حُكْمٌ، فَلَا يَثْبُتُ اللَّوْثُ بِهَا، كَشَهَادَةِ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ بِهَا اللَّوْثُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي، فَأَشْبَهَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَقَوْلُ الصِّبْيَانِ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ، وَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَنَحْوِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَجِيءَ الصِّبْيَانُ مُتَفَرِّقِينَ؛ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ قَدْ ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَوْثٌ؛ لِأَنَّهَا تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي، أَشْبَهَتْ الْعَدَاوَةَ.

وَرُوِيَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَوْثٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الَّذِي قُتِلَ فِي الزِّحَامِ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْعَدَاوَةِ بِقَضِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الْقَتِيلِ بِخَيْبَرَ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِالْمَظِنَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِتَعَدِّي سَبَبِهِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ جَمْعٌ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ وَغَلَبَةِ الظُّنُونِ، وَالْحِكَمُ وَالظُّنُونُ تَخْتَلِفُ وَلَا تَأْتَلِفُ، وَتَنْخَبِطُ وَلَا تَنْضَبِطُ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، فَلَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا، وَلَا تَعْدِيَتُهُ بِتَعَدِّيهَا، وَلِأَنَّهَا يُعْتَبَرُ فِي التَّعْدِيَةِ وَالْقِيَاسِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمُقْتَضِي، وَلَا سَبِيلَ إلَى يَقِينِ التَّسَاوِي بَيْنَ الظَّنَّيْنِ مَعَ كَثْرَةِ الِاحْتِمَالَاتِ وَتَرَدُّدِهَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، حُكْمُ هَذِهِ الصُّوَرِ حُكْمُ غَيْرِهَا، مِمَّا لَا لَوْثَ فِيهِ.

[فَصْلٌ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُل أَنَّهُ قَتَلَ أُحُد هَذَيْنِ الْقَتِيلِينَ]

(٧٠١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ، أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ. لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَوْثًا عِنْدَ أَحَدِ عُلَمَائِنَا. قَوْلَهُ: وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْقَتِيلَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا قَتَلَهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسِكِّينٍ، لَمْ تَثْبُتْ الشَّهَادَةُ، وَلَمْ تَكُنْ لَوْثًا. هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَاخْتِيَارُهُ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِقَتْلِهِ، أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَتْلُ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ ثُبُوتَ الْقَتْلِ هَاهُنَا، وَفِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسِكِّينٍ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَوْثٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا هُوَ لَوْثٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي، أَشْبَهَتْ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ.

وَلَنَا، أَنَّهَا شَهَادَةٌ مَرْدُودَةٌ؛ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، فَلَمْ تَكُنْ لَوْثًا، كَالصُّورَةِ الْأُولَى.

[فَصْل شَرْط اللَّوْث]

فَصْلٌ: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ اللَّوْثِ أَنْ يَكُونَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ شَرْطٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>