وَالْعَمَلِ. وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِرَجُلٍ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي، وَيَكُونُ سَقْيُهَا مِنْ مَائِك، وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا. فَفِيهَا رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ، وَمِنْ الْآخَرِ الْعَمَلُ، وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا بَذْرٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِهِ؟
وَالثَّانِيَةُ، يَصِحُّ
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَنَقَلَهَا عَنْ أَحْمَدَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ، وَحَرْبٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَحَدُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الزَّرْعِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالْأَرْضِ وَالْعَمَلِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَحَدِهِمْ الْأَرْضُ وَمِنْ الْآخَرِ الْبَذْرُ وَمِنْ الْآخَرِ الْبَقَرُ وَالْعَمَلُ]
(٤١٤٩) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ، مِنْ أَحَدِهِمْ الْأَرْضُ، وَمِنْ الْآخَرِ الْبَذْرُ، وَمِنْ الْآخَرِ الْبَقَرُ وَالْعَمَلُ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَعَمِلُوا، فَهَذَا عَقْدٌ فَاسِدٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَمُهَنَّا، وَأَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، وَذَكَر حَدِيثَ مُجَاهِدٍ «، فِي أَرْبَعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي زَرْعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمْ: عَلَيَّ الْفَدَّانُ. وَقَالَ الْآخَرُ: قِبَلِي الْأَرْضُ. وَقَالَ الْآخَرُ: قِبَلِي الْبَذْرُ. وَقَالَ الْآخَرُ: قِبَلِي الْعَمَلُ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَأَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، وَلِصَاحِبِ الْفَدَّانِ شَيْئًا مَعْلُومًا» .
فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ، وَالْعَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ. وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَعَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَحَدَّثْت بِهِ مَكْحُولًا، فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ وَصِيفًا. وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صَدْرِ الْفَصْلِ، وَهُمَا فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ مِنْ الْعَامِلِ، وَلَيْسَ هُوَ هَا هُنَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَلَيْسَتْ شَرِكَةً؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَكُونُ بِالْأَثْمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْعُرُوضِ، اُعْتُبِرَ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَا هُنَا. وَلَيْسَتْ إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَعِوَضٍ مَعْلُومٍ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَلِصَاحِبَيْهِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمَا الْمُسَمَّى، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ، عَادَ إلَى بَدَلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute