إنْ سَرَقَ الْجَمَلَ، وَإِنْ سَرَقَ الْجَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ، وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ نَائِمًا عَلَيْهِ، قُطِعَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْحِمْلِ مُحْرَزٌ بِهِ، فَإِذَا أَخَذَ جَمِيعَهُ، لَمْ يَهْتِكْ حِرْزَ الْمَتَاعِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ أَجْزَاءَ الْحِرْزِ.
وَلَنَا أَنَّ الْجَمَلَ مُحْرَزٌ بِصَاحِبِهِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا، فَقَدْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ الْمَتَاعَ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ سَرِقَةَ الْحِرْزِ مِنْ حِرْزِهِ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ، فَإِنَّهُ لَوْ سَرَقَ الصُّنْدُوقَ بِمَا فِيهِ مِنْ بَيْتٍ هُوَ مُحْرَزٌ فِيهِ، وَجَبَ قَطْعُهُ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْإِبِلِ الَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ، فَأَمَّا الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَالْمَكَانِ الْمُحْصَنِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الثِّيَابِ، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ. وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي كَالْحُكْمِ فِي الْإِبِلِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهَا.
[فَصْلٌ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ وَلَا حَافِظَ فِيهِ]
(٧٢٦١) فَصْلٌ: وَإِذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ، وَلَا حَافِظَ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَافِظٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَى سَارِقِ الْحَمَّامِ قَطْعٌ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْحَمَّامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَتَاعِ قَاعِدٌ، مِثْلَ مَا صُنِعَ بِصَفْوَانَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ، فَجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيْفِ مِنْ الْبَيْتِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دُخُولِهِ؛ وَلِأَنَّ دُخُولَ النَّاسِ إلَيْهِ يَكْثُرُ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْحَافِظُ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ فِيهِ حَافِظٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ مَتَاعٌ لَهُ حَافِظٌ، فَيَجِبُ قَطْعُ سَارِقِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَهَذَا يُفَارِقُ مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.
فَأَمَّا إنْ كَانَ صَاحِبُ الثِّيَابِ قَاعِدًا عَلَيْهَا، أَوْ مُتَوَسِّدًا لَهَا، أَوْ جَالِسًا وَهِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحْفَظُهَا، قُطِعَ سَارِقُهَا بِكُلِّ حَالٍ، كَمَا قُطِعَ سَارِقُ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ لَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ نَائِبُ صَاحِبِ الثِّيَابِ، إمَّا الْحَمَّامِيُّ وَإِمَّا غَيْرُهُ حَافِظًا لَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، قُطِعَ سَارِقُهَا؛ لِأَنَّهَا مُحْرَزَةٌ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ نَزَعَ الدَّاخِلُ ثِيَابَهُ، عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَمْ يَسْتَحْفِظْهَا لِأَحَدٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُودَعٍ فَيَضْمَنَ، وَلَا هِيَ مُحْرَزَةٌ فَيُقْطَعَ سَارِقُهَا، وَإِنْ اسْتَحْفَظَهَا الْحَمَّامِيَّ، فَهُوَ مُودَعٌ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاتُهَا بِالنَّظَرِ وَالْحِفْظِ، فَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهَا، أَوْ تَرَكَ النَّظَرَ إلَيْهَا، فَسُرِقَتْ، فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ لِتَفْرِيطِهِ، وَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ. وَإِنْ تَعَاهَدَهَا الْحَمَّامِيُّ بِالْحِفْظِ وَالنَّظَرِ، فَسُرِقَتْ، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهَا مُحْرَزَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ. وَلَوْ اسْتَحْفَظَ رَجُلٌ آخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute