للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَمْ تَعْلَمْ، فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَمْكَنَتْ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ تُصَبْ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ

وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ، يُقَال لَهَا: زَبْرَاءُ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فَعَتَقَتْ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَتْ إلَى حَفْصَةَ، فَدَعَتْنِي، فَقَالَتْ: إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسَّك زَوْجُك، فَإِنْ مَسَّك، فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. فَقُلْت: هُوَ الطَّلَاقُ، ثُمَّ الطَّلَاقُ [ثُمَّ الطَّلَاقُ] . فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: إنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا. وَلِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ، فَيَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَعَ الْجَهَالَةِ، كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَإِذَا وَطِئَهَا، وَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِالْعِتْقِ، وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، مِثْلُ أَنْ يَعْتِقَهَا سَيِّدُهَا فِي بَلَدٍ آخِرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهَا، لِكَوْنِهِمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ اشْتَهَرَ ذَلِكَ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَإِنْ عَلِمَتْ الْعِتْقَ، وَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهَا فِيهِ. وَلِلشَّافِعِي فِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ.

[فَصْلٌ عِتْقَ الزَّوْجَانِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً]

(٥٥١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الطَّارِئَةَ بَعْدَ عِتْقِهَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ، فَالْمُقَارِنَةُ أَوْلَى، كَإِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: إنْ عَتَقَا مَعًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَمَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا، صَارَا حُرَّيْنِ، وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إصَابَتُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ

هَكَذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِي مَنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً، أَوْ اشْتَرَى لَهُ سُرِّيَّةً، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا، لَا يَقْرَبُهَا إلَّا بِنِكَاحِ جَدِيدٍ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، بِمَا رَوَى نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدًا لَهُ كَانَ لَهُ سُرِّيَّتَانِ، فَأَعْتَقَهُمَا وَأَعْتَقَهُ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقْرَبَهُمَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَلِأَنَّهَا بِإِعْتَاقِهَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا، كَالْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ، فَعَتَقَا، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِإِعْتَاقِهَا وَحْدهَا. فَلَأَنْ لَا يَنْفَسِخَ بِإِعْتَاقِهِمَا مَعًا أَوْلَى. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: انْفَسَخَ

<<  <  ج: ص:  >  >>