للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمَا، كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ أَبُوك. فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ أَبِي. فَقَالَ أَبُوهَا: قَدْ شِئْت. لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت. فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ شِئْت. فَقَالَ: قَدْ شِئْت. أَوْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. لَمْ يَقَعْ.

نَصَّ أَحْمَدُ، عَلَى مَعْنَى هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت. فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ فُلَانٌ. أَنَّهَا قَدْ رَدَّتْ الْأَمْرَ، وَلَا يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهَا مَشِيئَةٌ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا تَعْلِيقُ مَشِيئَتِهَا بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ تَعْلِيقُ الْمَشِيئَةِ بِشَرْطِ مَشِيئَةٍ. وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ اثْنَيْنِ، فَشَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْآخَرُ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَوْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَقَالَتْ قَدْ شِئْت]

(٥٩٧٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تَشَائِي. أَوْ: يَشَاءَ زَيْدٌ. فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت. لَمْ تَطْلُقْ. وَإِنْ أَخَّرَا ذَلِكَ طَلُقَتْ وَإِنْ. جُنَّ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَعَلَّقَ رَفْعَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ. فَإِنْ خَرِسَ فَشَاءَ بِالْإِشَارَةِ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِشَارَتِهِ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَته.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا فَلَمْ تَشَأْ]

فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا. فَلَمْ تَشَأْ، أَوْ شَاءَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت ثَلَاثًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَطْلُق ثَلَاثًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَطْلُقُ إذَا شَاءَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، فَتَقْدِيرُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا فَلَا تَطْلُقِي، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ: ثَلَاثًا لَمَا طَلُقَتْ بِمَشِيئَتِهَا ثَلَاثًا، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الثَّلَاثَ صِفَةً لِمَشِيئَتِهَا الرَّافِعَة لِطَلَاقِ الْوَاحِدَةِ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تُكَرِّرِي بِمَشِيئَتِك ثَلَاثًا. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تَطْلُق؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي، تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إيقَاعُ الثَّلَاثِ إذَا شَاءَتْهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِثَالِثَةٍ، وَخُذْ دِرْهَمًا إلَّا أَنْ تُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>