وَلَوْ قَالَ: آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْكُنَّ الدَّارَ، فَهِيَ طَالِقٌ. فَدَخَلَ بَعْضُهُنَّ، لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا بِمَوْتِهِ، أَوْ مَوْتِهِنَّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَتَبَيَّنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِآخِرِهِنَّ دُخُولًا، مِنْ حِينَ دَخَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعِتْقِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى فِعْلٍ بِلَفْظٍ عَامٍ وَأَرَادَ بِهِ شَيْئًا خَاصًّا]
(٥٩٨٩) فَصْلٌ: وَإِذَا حَلَفَ يَمِينًا عَلَى فِعْلٍ بِلَفْظٍ عَامٍّ، وَأَرَادَ بِهِ شَيْئًا خَاصًّا؛ مِثْل إنْ حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ اللَّيْلَةَ، وَأَرَادَ الْجَنَابَة، أَوْ: لَا قَرُبْت لِي فِرَاشًا. وَأَرَادَ تَرْكَ جِمَاعِهَا. أَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت، فَعَبْدِي حُرٌّ. وَأَرَادَ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً. أَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَ إلَيَّ رَجُلٌ. أَوْ قَالَ: أَحَدٌ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. وَأَرَادَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ. أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا. يُرِيدُ خُبْزَ الْبُرِّ. أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا، يُرِيدُ دَارَ فُلَانٍ. أَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. يُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَى الْحَمَّامِ. أَوْ قَالَ: إنْ مَشَيْت. وَأَرَادَ اسْتِطْلَاقَ الْبَطْنِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى مَشْيًا، «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةٍ: ثُمَّ تَسْتَمْشِينَ» . وَيُقَالُ: شَرِبَتْ مَشْيًا، وَمَشْوًا. إذَا شَرِبَ دَوَاءً يُمْشِيهِ، فَإِنَّ يَمِينَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نَوَاهُ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الظِّهَارِ، فِي مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَرُبْت لِي فِرَاشًا، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظُهْرِ أُمِّي، فَجَاءَتْ فَقَامَتْ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ: أَرَدْت الْجِمَاعَ. لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَلَنَا، أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ: أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ التَّوْكِيدَ.
[فَصْلٌ حَلَفَ يَمِينًا عَامَّةً لِسَبَبٍ خَاصٍّ وَلَهُ نِيَّةٌ]
(٥٩٩٠) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ يَمِينًا عَامَّةً، لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَلَهُ نِيَّةٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَد مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَمِينَهُ تَخْتَصُّ بِمَا وُجِدَ فِيهِ السَّبَبُ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، رُجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ يَمِينَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَحَلِّ السَّبَبِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَمِينَهُ تُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ، فِي مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَصِيدَ فِي هَذَا النَّهْرِ. لِظُلْمٍ رَآهُ، فَتَغَيَّرَ حَالُهُ، فَقَالَ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلُ الْحُكْمِ، فَيَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِهِ فِي الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ، كَمَا فِي لَفْظِ الشَّارِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute