[فَصْلٌ أَحْرَمَ مَأْمُومًا ثُمَّ صَارَ إمَامًا أَوْ نَقَلَ نَفْسَهُ إلَى الِائْتِمَامِ بِإِمَامِ آخَر]
(١٢٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ صَارَ إمَامًا، أَوْ نَقَلَ نَفْسَهُ إلَى الِائْتِمَامِ بِإِمَامٍ آخَرَ، جَازَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ، فَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا. وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُدْرِكَ اثْنَانِ بَعْضَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ صَاحِبِهِ، أَوْ مَأْمُومٌ لَهُ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
وَإِنْ نَوَى الْإِمَامُ الِائْتِمَامَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي، ثُمَّ جَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَتَقَدَّمَ فَصَارَ إمَامًا، وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا.
[مَسْأَلَةٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ]
(١٢٠٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرَةَ: «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» قِيلَ لَهُ: لَا تَعُدْ. وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ النَّهْيِ لَمْ تُجْزِئْهُ صَلَاتُهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ مَنْ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ، لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً كَامِلَةً، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» .
وَالثَّانِي، أَنْ يَدِبَّ رَاكِعًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ آخَرُ فَيَقِفَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّفِّ مَا يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي رُكُوعِ الرَّجُلِ دُونَ الصَّفِّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَفَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَجَوَّزَهُ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصَّفِّ.
الْحَالُ الثَّالِثُ، إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ قَبْلَ إتْمَامِ الرَّكْعَةِ، فَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " وَنَصُّ أَحْمَدَ ". فَمَتَى كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلِمَ، لَمْ تَصِحَّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ.
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَفَعَلَهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute