للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٩) فَصْلٌ: إذَا اجْتَمَعْت الْجِرْيَاتُ فِي مَوْضِعٍ، فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْجِرْيَاتِ مَاءٌ طَاهِرٌ مُتَوَالٍ يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ، إمَّا سَابِقًا وَإِمَّا لَاحِقًا، فَالْجَمِيعُ طَاهِرٌ. مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَمَّا اجْتَمَعَتْ مَعَهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُجْتَمِعُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَفِي بَعْضِ الْجِرْيَاتِ شَيْءٌ نَجِسٌ، فَالْكُلُّ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ إلَّا أَنَّ الْجِرْيَاتِ كُلَّهَا نَجِسَةٌ، أَوْ بَعْضَ الْجِرْيَاتِ طَاهِرٌ وَبَعْضَهَا نَجِسٌ، وَلَا يَتَوَالَى مِنْ الطَّاهِرِ قُلَّتَانِ،، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَثُرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» ؛ وَلِأَنَّهُ مَاءٌ كَثِيرٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ، فَكَانَ طَاهِرًا، كَمَا لَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكْثِهِ.

وَلَنَا أَنَّهُ انْضَمَّ النَّجِسُ إلَى النَّجِسِ، فَصَارَ الْجَمِيعُ نَجِسًا كَغَيْرِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْجِرْيَاتِ طَاهِرًا، لَكِنَّهُ قَلِيلٌ، فَهُوَ مِمَّا لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، طَهُرَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ زَالَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ بِاجْتِمَاعِ مَاءٍ نَجِسٍ إلَيْهِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَدْفَعُهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَطْهُرَ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ عِلَّةَ التَّنْجِيسِ، فَأَزَالَ التَّنْجِيسَ، كَمَا لَوْ زَالَ بِنَزَحٍ أَوْ بِمُكْثِهِ.

[فَصْلٌ فِي تَطْهِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

(٣٠) فَصْلٌ: فِي تَطْهِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِقُلَّتَيْنِ طَاهِرَتَيْنِ، إمَّا أَنْ يُصَبَّ فِيهِ، أَوْ يَنْبُعَ فِيهِ، فَيَزُولَ بِهِمَا تَغَيُّرُهُ إنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا طَهُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُكَاثَرَةِ؛ لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَا تَحْمِلُ الْخَبَثَ، وَلَا تَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا مَاءٌ نَجِسٌ لَمْ يُنَجِّسْهَا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ وَارِدَةً، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِمَا طَهَارَةُ مَا اخْتَلَطَتَا بِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَفْقَ الْقُلَّتَيْنِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالنَّجَاسَةِ، فَيَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا غَيْرُ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا فَيَطْهُرَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ بِالْمُكَاثَرَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا أَزَالَتْ التَّغَيُّرَ، أَوْ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَزُولَ تَغَيُّرُهُ بِطُولِ مُكْثِهِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ، الزَّائِدُ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ نَجِسًا بِغَيْرِ التَّغَيُّرِ، فَلَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهِ بِغَيْرِ الْمُكَاثَرَةِ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ، فَتَطْهِيرُهُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ؛ الْمُكَاثَرَةُ، أَوْ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ بِمُكْثِهِ، أَوْ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهُ مَا يَزُولُ بِهِ التَّغَيُّرُ، وَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا، فَإِنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، قَبْلَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ، لَمْ يَبْقَ التَّغَيُّرُ عِلَّةَ تَنْجِيسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِدُونِهِ، فَلَا يَزُولُ التَّنْجِيسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>