بِجَعْلٍ، جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ الْكَسْبَ، وَبَذْلَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جَعَلَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِهِ.
[فَصْلٌ جَعَلَ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن الرَّهْن فِي يَد اثْنَيْنِ]
(٣٣١٥) فَصْلٌ: فَإِنْ: جَعَلَا الرَّهْنَ فِي يَدِ عَدْلَيْنِ، جَازَ، وَلَهُمَا إمْسَاكُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِحِفْظِهِ. وَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي الْآخَرِ، إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِإِمْسَاكِ الْآخَرِ، جَازَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ، اقْتَسَمَاهُ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْسَاكُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حِفْظِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا، فَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحِفْظَ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُتَرَاهِنِينَ لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِحِفْظِهِمَا فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِذَلِكَ، كَالْوَصِيَّيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْحِفْظِ يَشُقُّ. لَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ فِي مَخْزَنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ قُفْلٌ.
(٣٣١٦) فَصْلٌ: وَمَا دَامَ الْعَدْلُ بِحَالِهِ، لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ الْأَمَانَةِ، وَلَا حَدَثَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا عَدَاوَةٌ، فَلَيْسَ لَأَحَدِهِمَا، وَلَا لِلْحَاكِمِ، نَقْلُ الرَّهْنِ عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى نَقْلِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَمْ يَعْدُهُمَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ عَنْ يَدِهِ. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْعَدْلِ بِفِسْقٍ، أَوْ ضَعْفٍ عَنْ الْحِفْظِ، أَوْ حَدَثَتْ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، أَوْ بَيْنَ أَحَدِهِمَا، فَلِمَنْ طَلَبَ نَقْلَهُ عَنْ يَدِهِ ذَلِكَ، وَيَضَعَانِهِ فِي يَدِ مَنْ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا، وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تُغَيِّرْ حَالِهِ، بَحَثَ الْحَاكِمُ، وَعَمِلَ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَتَغَيَّرَتْ حَاله فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، فَلِلرَّاهِنِ رَفْعُهُ عَنْ يَدِهِ إلَى الْحَاكِمِ، لِيَضَعَهُ فِي يَدِ عَدْلٍ
وَإِذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ تَغَيُّرَ حَالِ الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْكَرَ، بَحَثَ الْحَاكِمُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَمَلَ بِمَا بَانَ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ، لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِمَا إمْسَاكُهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، جَازَ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى عَدْلٍ يَضَعَانِهِ عَلَى يَدِهِ، فَلَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَيُفَوَّضُ أَمْرُهُ إلَيْهِمَا. فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عِنْدَ مَوْتِ الْعَدْلِ، أَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَوَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ، رَفَعَا الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، لِيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ، بِفِسْقٍ، أَوْ ضَعْفٍ عَنْ الْحِفْظِ، أَوْ عَدَاوَةٍ بَيْنَ أَحَدِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ، أُقِيمَ مُقَامَهُ عَدْلٌ يَنْضَمُّ إلَى الْعَدْلِ الْآخَرِ، فَيَحْفَظَانِ مَعًا.
[فَصْلٌ أَرَادَ الْعَدْلُ رَدَّ الرَّهْن عَلَى مِنْ أُودَعهُ]
(٣٣١٧) فَصْلٌ: وَلَوْ أَرَادَ الْعَدْلُ رَدَّهُ عَلَيْهِمَا، فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِمَا قَبُولُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُتَطَوِّعٌ بِالْحِفْظِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْمُقَامُ عَلَيْهِ. فَإِنْ امْتَنَعَا، أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ. فَإِنْ تَغَيَّبَا، نَصَبَ الْحَاكِمُ أَمِينًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ. وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى الْأَمِينِ مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute