للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ وَافَقَنَا عَلَى الرُّجُوعِ بِضَمَانِهِ. فَأَمَّا الْأُجْرَةُ وَالْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ الْمُتَّهِبُ عَلَى الْوَاهِبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ ضَمَّنَهُ الْوَاهِبَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُتَّهِبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

[فَصْلٌ تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ]

(٣٩٧٦) فَصْلٌ: وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ كَتَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، بُطْلَانُهَا. وَالثَّانِيَةُ، صِحَّتُهَا وَوُقُوفُهَا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ فِي تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ رِوَايَةً، أَنَّهَا تَقَعُ صَحِيحَةً، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعِبَادَاتُ، كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ الْعُقُودُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ.

وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ فِي الْعُقُودِ بِمَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ، فَأَمَّا مَا اخْتَارَ الْمَالِكُ إبْطَالَهُ وَأَخْذَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ، فَوَجْهُ التَّصْحِيحِ فِيهِ أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ، فَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلَانِهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَرُبَّمَا عَادَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ، وَالْعِوَضِ بِنَمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ لَهُ، وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ غَصَبَ أَثْمَانًا فَاتَّجَرَ بِهَا أَوْ عُرُوضًا فَبَاعَهَا وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهَا]

(٣٩٧٧) فَصْلٌ: وَإِذَا غَصَبَ أَثْمَانًا فَاتَّجَرَ بِهَا، أَوْ عُرُوضًا فَبَاعَهَا وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ. قَالَ الشَّرِيفُ: وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَ الْأَثْمَانَ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ. وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ. كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ، فَهُوَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ. وَإِنْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ يُضَارِبُ بِهِ، فَالْحُكْمُ فِي الرِّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا الْغَاصِبُ، فَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ، فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ، وَلَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا بِعِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَلَزِمَهُ أَجْرُهُ، كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

[مَسْأَلَة غَصَبَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ]

(٣٩٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ، لَزِمَتْ الْغَاصِبَ الْقِيمَةُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، رَدَّهُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ، كَعَبْدٍ أَبَقَ، أَوْ دَابَّةٍ شَرَدَتْ، فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ، فَإِذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ، بَلْ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ رَدُّهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>