الْمَرْأَةَ، اسْتَمْتَعَ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَقِيت امْرَأَةً، فَأَصَبْت مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: ٧٨] الْآيَةُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فَقَالَ: لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَة، يُقَبِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَطِئَهَا أَوْ لَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ قَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ، وَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا. وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ شُهِدَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَى، فَقَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ. فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بِالنِّكَاحِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى تَنْفِي كَوْنَهُمَا زَوْجَيْنِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهَا أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَيَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً، كَمَا لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، فَادَّعَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ أَتَيَانِ الْبَهِيمَة]
(٧١٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً أُدِّبَ، وَأُحْسِنَ أَدَبُهُ، وَقُتِلَتْ الْبَهِيمَةُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّائِطِ سَوَاءً. وَقَالَ الْحَسَنُ: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يُقْتَلُ هُوَ وَالْبَهِيمَةُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَهُ لَهَا، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ يَحْتَاجُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ إلَى الْحَدِّ، فَإِنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ، وَعَامَّتُهَا تَنْفِرُ مِنْهُ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْحَدِيثُ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَلَمْ يُثْبِتْهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ. وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا يُضْعِفُ الْحَدِيثَ عَنْهُ، قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي ذَلِكَ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِحَدِيثٍ فِيهِ هَذِهِ الشُّبْهَةُ وَالضَّعْفُ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: أُدِّبَ، وَأُحْسِنَ أَدَبُهُ. يَعْنِي يُعَزَّرُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ، فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، كَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ.
[فَصْلٌ قَتَلَ الْبَهِيمَة الَّتِي أَتَاهَا رَجُل]
(٧١٧١) فَصْلٌ: وَيَجِبُ قَتْلُ الْبَهِيمَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute