فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقْتٌ لِلْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَهُ. وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا عَقِيبَ الزَّوَالِ بَيْنَ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ، فَلَوْ انْتَظَرُوا الْإِبْرَادَ شَقَّ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ وَاحِدٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِلْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ لِيُسْمِعَ النَّاسَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى فُلَانَةَ - امْرَأَةٍ سَمَّاهَا سَهْلٌ - أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ: «مَا أَخَذْتُ ق إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ» .
وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا، فَلَوْ خَطَبَ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى رَبْوَةٍ، أَوْ وِسَادَةٍ، أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، جَازَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصْنَعَ الْمِنْبَرُ يَقُومُ عَلَى الْأَرْضِ اهـ. (١٢٩٠) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا صَنَعَ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا اسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِ وَجَلَسَ]
(١٢٩١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ، وَجَلَسَ) يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَقْبَلَ الْحَاضِرِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَجَلَسَ إلَى أَنْ يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ. كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إذَا عَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَقِيبَ الِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ حَالَ خُرُوجِهِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ جَالِسًا، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ النَّاسَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ. عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ سُورَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِهِ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَمَتَى سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ آكَدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ. ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ لِيَسْتَرِيحَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرَغَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute