للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُ ذَلِكَ.

وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا زَادَتْ عَنْ الظُّهْرِ بِالْخُطْبَةِ، وَقَدْ حَصَلَ سَمَاعُهَا فِي الْعِيدِ، فَأَجْزَأَ عَنْ سَمَاعِهَا ثَانِيًا، وَلِأَنَّ وَقْتَهُمَا وَاحِدٌ بِمَا بَيَّنَّاهُ، فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، كَالْجُمُعَةِ مَعَ الظُّهْرِ، وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ، وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَامْتَنَعَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ. (١٣٨٢)

فَصْلٌ: وَإِنْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: تُجْزِئُ الْأُولَى مِنْهُمَا، فَعَلَى هَذَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْعِيدِ وَالظُّهْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَى الْعَصْرِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْجُمُعَةَ فِي وَقْتِ الْعِيدِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَّعَهُمَا وَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ فِعْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى تَقْدِيمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَسَقَطَ الْعِيدُ، وَالظُّهْرُ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا سَقَطَتْ مَعَ تَأَكُّدِهَا، فَالْعِيدُ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهَا، أَمَّا إذَا قَدَّمَ الْعِيدَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا إذَا لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ.

[مَسْأَلَةٌ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَامِعِ فَرْسَخٌ]

(١٣٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَامِعِ فَرْسَخٌ) هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ، أَمَّا أَهْلُ الْمِصْرِ فَيَلْزَمُهُمْ كُلَّهُمْ الْجُمُعَةُ، بَعُدُوا أَوْ قَرُبُوا. قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا أَهْلُ الْمِصْرِ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ شُهُودِهَا، سَمِعُوا النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَلَدَ الْوَاحِدَ بُنِيَ لِلْجُمُعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلِأَنَّ الْمِصْرَ لَا يَكَادُ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ فَرْسَخٍ، فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْقُرْبِ، فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

فَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْمِصْرِ، فَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَامِعِ فَرْسَخٌ فَمَا دُونَ، فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>