[فَصْل شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْ الْهَدَفِ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ مَا قَرُبَ مِنْ إصَابَةِ أَحَدِهِمَا مَا بَعُدَ مِنْ إصَابَةِ الْآخَرِ]
(٧٩١٩) فَصْلٌ فَإِنْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْ الْهَدَفِ، عَلَى أَنْ يَسْقُطَ مَا قَرُبَ مِنْ إصَابَةِ أَحَدِهِمَا مَا بَعُدَ مِنْ إصَابَةِ الْآخَرِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِمَا شَرَطَاهُ، كَانَ سَابِقًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُحَاطَّةِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ شِبْرٌ، وَأَصَابَ الْآخَرُ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ أَقَلُّ مِنْ شِبْرٍ، أَسْقَطَ الْأَوَّلَ، وَأَنْ أَصَابَ الْأَوَّلُ الْغَرَضَ، أَسْقَطَ الثَّانِيَ، فَإِنْ أَصَابَ الثَّانِي الدَّائِرَةَ الَّتِي فِي الْغَرَضِ، لَمْ يُسْقِطْ بِهِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ كُلَّهُ مَوْضِعٌ لِلْإِصَابَةِ، فَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إذَا أَصَابَاهُ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا ذَلِكَ. وَإِنْ شَرَطَا إنْ يَحْسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَاسِقَهُ بِإِصَابَتَيْنِ، جَازَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَفْضُلْ صَاحِبَهُ فِي شَيْءٍ، فَقَدْ اسْتَوَيَا.
[فَصْلٌ مَا هِيَ السُّنَّةُ فِي الرَّمْيِ بَيْن الْمُتَسَابِقِينَ]
(٧٩٢٠) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ يَرْمِيَانِ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَيْهِ، فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ يَرْمِيَانِ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِعْلَ أَصْحَابِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ، الْجَنَّةِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: رَأَيْت حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ: أَنَا بِهَا، أَنَا بِهَا. فِي قَمِيصٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ؛ إمَّا تُرَابٌ مَجْمُوعٌ، وَإِمَّا حَائِطٌ. وَيُرْوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ، يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا. فَإِنْ جَعَلُوا غَرَضًا وَاحِدًا، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، وَهُوَ عَادَةُ أَهْلِ عَصْرِنَا. وَلَا بُدَّ فِي الْمُنَاضَلَةِ أَنْ يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا بِالرَّمْيِ، لِأَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا، أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يُعْرَفْ الْمُصِيبُ مِنْهُمَا. فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ أَجْنَبِيًّا، قُدِّمَ مَنْ يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَتَشَاحَّا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ فَبَدَرَهُ الْآخَرُ فَرَمَى، لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِسَهْمِهِ، أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ. وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ، بَدَأَ الْآخَرُ فِي الثَّانِي، تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَهَذَا تَفَاضُلٌ، فَإِنْ فُعِلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمَا، جَازَ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْإِصَابَةِ، وَلَا فِي تَجْوِيدِ الرَّمْيِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَبْدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، جَازَ؛ لِتَسَاوِيهِمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ الْبُدَاءَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرْنَا غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَجْوِيدِ رَمْيٍ، وَلَا كَثْرَةِ إصَابَةٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ الرُّمَاةِ يَخْتَارُ التَّأَخُّرَ عَلَى الْبِدَايَةِ، فَيَكُونُ وُجُودُ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ. إذَا رَمَى الْبَادِئُ بِسَهْمٍ، رَمَى الثَّانِي بِسَهْمٍ كَذَلِكَ، حَتَّى يَقْضِيَا رَمْيَهُمَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُنَاضَلَةِ يَقْتَضِي الْمُرَاسَلَةَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى التَّسَاوِي، وَأَنْجَزُ لِلرَّمْيِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُصْلِحُ قَوْسَهُ وَيَعْدِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute