عَائِشَةَ اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْوَلَاءِ، فَأَعْتَقَتْهَا، فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِتْقَ، وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ.
وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى صِفَةٍ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ ابْتِدَاءً بِعَقْدٍ، وَقَدْ حَصَلَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِلْبَدَلِ عَنْ عَقْدٍ فِيهِ تَسْلِيطٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا. وَلَنَا، أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مَيْتَةً، أَوْ دَمًا فَأَمَّا حَدِيثُ بَرِيرَةَ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، لَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ حِينَ بَلَغَهُمْ إنْكَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الشَّرْطَ تَرَكُوهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا لِلْعَقْدِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ.
(٣١٢١) فَصْلٌ: وَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ، مَعَ نَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ، وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مَضْمُونَةٌ، فَأَجْزَاؤُهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً أَيْضًا. فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَلِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَصْبِ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، فَأَشْبَهَ الْعَارِيَّةَ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ فِي الْغَصْبِ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، فَيَخْرُجُ هَاهُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فِي حَالِ زِيَادَتِهَا، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهَا مَعَ زِيَادَتِهَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالِ تَلَفِهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِالْجِنَايَةِ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْمَبِيع أَمَة فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي]
(٣١٢٢) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً، فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلِأَنَّ فِي الْمِلْكِ اخْتِلَافًا. وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ، وَجَبَ الْمَهْرُ. وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يُوجِبُ الْمَهْرَ. وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، إنْ كَانَتْ بِكْرًا. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَرْوِيجًا فَاسِدًا، فَوَطِئَهَا، فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا، لَا يَضْمَنُ الْبَكَارَةَ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ النِّكَاحَ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ الْمُذْهِبِ لِلْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَى الْوَطْءِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَى الْوَطْءِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ مَنْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَوْجَبْتُمْ مَهْرَ بِكْرٍ، فَكَيْفَ تُوجِبُونَ ضَمَانَ الْبَكَارَةِ، وَقَدْ دَخَلَ ضَمَانُهَا فِي الْمَهْرِ؟ وَإِذَا أَوْجَبْتُمْ ضَمَانَ الْبَكَارَةِ، فَكَيْفَ تُوجِبُونَ مَهْرَ بِكْرٍ، وَقَدْ أَدَّى عِوَضَ الْبَكَارَةِ بِضَمَانِهِ لَهَا، فَجَرَى مَجْرَى مَنْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ وَطِئَهَا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ مَهْرَ الْبِكْرِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ ضَمَانُ جُزْءٍ، فَلِذَلِكَ اجْتَمَعَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَهَا بِكْرًا، فَقَدْ اسْتَوْفَى نَفْعَ هَذَا الْجُزْءِ، فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ نَفْعِهِ، فَإِذَا أَتْلَفَهُ وَجَبَ ضَمَانُ عَيْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُضْمَنَ الْعَيْنُ، وَيَسْقُطَ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ عَيْنًا ذَاتَ مَنْفَعَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute