عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْت: إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُك فَعَلْت. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْت عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يُبْطِلْ الْعَقْدَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: خَبَرُ بَرِيرَةَ ثَابِتٌ. وَلَا نَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، فَالْقَوْلُ بِهِ يَجِبُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ". أَيْ عَلَيْهِمْ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِهِ، وَلَا يَأْمُرُهَا بِفَاسِدٍ. قُلْنَا: لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ. الثَّانِي، أَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَلَاءَ لَهُمْ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ مِنْهَا؟ وَأَمَّا أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ الْأَمْرِ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الِاشْتِرَاطِ وَتَرْكِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] وَقَوْلِهِ {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦] وَالتَّقْدِيرُ: وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، أَوْ لَا تَشْتَرِطِي. وَلِهَذَا قَالَ عَقِيبَهُ: «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَحَدِيثُهُمْ لَا أَصِلَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
(٣١١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنْ الثَّمَنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا سَمَحَ بِبَيْعِهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْغَرَضِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا سَمَحَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ مِنْ أَجَلِ شَرْطِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ، يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِمَا سَمَحَ بِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا. (٣١٢٠) فَصْلٌ: فَإِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ، لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ. وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعِ، وَلَا هِبَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا غَيْرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَيَأْخُذُهُ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، إلَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ، فَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ؛ فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute