إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا. فَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى، وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاجِبٌ. وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَلَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ الظُّهْرِ بِشَرَائِطَ مِنْهَا الْوَقْتُ، فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ.
[فَصْل فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد حَتَّى زَالَتْ الشَّمْس وَأُحِبّ قَضَاءَهَا]
(١٤٢٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْوَاحِد إذَا فَاتَتْهُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَأَحَبَّ قَضَاءَهَا، قَضَاهَا مَتَى أَحَبَّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَقْضِيهَا إلَّا مِنْ الْغَدِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ تَطَوُّعٌ، فَمَتَى أَحَبَّ أَتَى بِهِ، وَفَارَقَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ، لِأَنَّ النَّاسَ تَفَرَّقُوا يَوْمئِذٍ عَلَى أَنَّ الْعِيدَ فِي الْغَدِ، فَلَا يَجْتَمِعُونَ إلَّا مِنْ الْغَدِ، وَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ.
وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ هِيَ الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ، الَّتِي يُعْتَبَرُ لَهَا شُرُوطُ الْعِيدِ وَمَكَانُهُ وَصِفَةُ صَلَاتِهِ، فَاعْتُبِرَ لَهَا الْوَقْتُ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
[فَصْلٌ شَرْط صَلَاة الْعِيدَيْنِ الِاسْتِيطَان]
(١٤٣٠) فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِيطَانُ لِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّهَا فِي سَفَرِهِ. وَلَا خُلَفَاؤُهُ وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ الْمُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ، فَأَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ. وَفِي إذْنِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا، لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِصِحَّتِهَا، لِأَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ فِي الْقَضَاءِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، لَا يُقَامُ الْعِيدُ إلَّا حَيْثُ تُقَامُ الْجُمُعَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا فِي مِصْرٍ، لِقَوْلِهِ: لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَالثَّانِيَةُ، يُصَلِّيهَا الْمُنْفَرِدُ وَالْمُسَافِرُ، وَالْعَبْدُ وَالنِّسَاءُ، عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الِاسْتِيطَانُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، كَالنَّوَافِلِ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا خَطَبَ مَرَّةً، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا، لَمْ يَخْطُبُوا وَصَلَّوْا بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيق الْكَلِمَةِ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ التَّكْبِير يَوْم عَرَفَة]
(١٤٣١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ) لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فِي أَنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ فِي عِيدِ النَّحْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّتِهِ، فَذَهَبَ إمَامُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ