وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلْقَمَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِهِ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] وَهِيَ الْعَشْرُ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْحَاجِّ، وَالْحُجَّاجُ يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَيُكَبِّرُونَ مَعَ الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَوَّلُ صَلَاةٍ بَعْدَ ذَلِكَ الظُّهْرُ، وَآخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَ بِمِنًى الْفَجْرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَمَدَّ التَّكْبِيرَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ، وَفِي بَعْضِهَا: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ". وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَتَانَا عَلِيٌّ بَعْدَهُ فَكَبَّرَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قِيلَ لِأَحْمَدْ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَيِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ، إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ قَالَ: بِالْإِجْمَاعِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] . وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَتَعَيَّنَ الذِّكْرُ فِي جَمِيعِهَا. وَلِأَنَّهَا أَيَّامٌ يُرْمَى فِيهَا، فَكَانَ التَّكْبِيرُ فِيهَا كَيَوْمِ النَّحْرِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] .
فَالْمُرَادُ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْهَدَايَا وَالْأَضَاحِيّ. وَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَنْعَامِ فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ وَتَفْسِيرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي كُلِّ الْعَشْرِ وَلَا فِي أَكْثَرِهِ، وَإِنْ صَحَّ قَوْلُهُمْ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالذِّكْرِ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْمُحْرِمُونَ فَإِنَّهُمْ يُكَبِّرُونَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِمَا ذَكَرُوهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَغَيْرُهُمْ يَبْتَدِئُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ فِي حَقِّهِمْ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لَهُمْ فِي هَذَا. دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، فَلَا تُسْمَعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute