[مَسْأَلَةٌ إذَا سَافَرَتْ زَوْجَتُهُ بِإِذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا سَافَرَتْ زَوْجَتُهُ بِإِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا قَسْمَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَشْخَصَهَا، فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا إذَا سَافَرَتْ فِي حَاجَتِهَا، بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لَتِجَارَةٍ لَهَا، أَوْ زِيَارَةٍ، أَوْ حَجِّ تَطَوُّعٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي نَفَقَةٍ وَلَا قَسْمٍ. هَكَذَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ؛: أَحَدُهُمَا، لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَافَرَتْ مَعَهُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ، وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، فَسَقَطَ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا. وَفَارَقَ مَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ الْقَسْمُ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ عَنْهَا لَسَقَطَ قَسَمَهَا، وَالتَّعَذُّرُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهَا بِسَفَرِهَا، كَانَ أَوْلَى، وَيَكُونُ فِي النَّفَقَةِ الْوَجْهَانِ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى سُقُوطِهِمَا إذَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ بِأَمْرٍ لَيْسَ فِيهِ نُشُوزٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ، فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالنُّشُوزِ وَالْمَعْصِيَةِ أَوْلَى. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ.
فَأَمَّا إنْ أَشْخَصَهَا، وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَهَا لِحَاجَتِهِ، أَوْ يَأْمُرَهَا بِالنَّقْلَةِ مِنْ بَلَدِهَا، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا قَسْمٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَوِّتْ عَلَيْهِ التَّمْكِينَ، وَلَا فَاتَ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِتَفْوِيتِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ إلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا، يَقْضِي لَهَا بِحَسَبِ مَا أَقَامَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا. وَإِنْ سَافَرَتْ مَعَهُ، فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا.
[مَسْأَلَةٌ الزَّوْجَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا فَلَا يَخْرُجُ مَعَهُ مِنْهُنَّ إلَّا بِقُرْعَةِ]
(٥٧٣١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ سَفَرًا، فَلَا يَخْرُجُ مَعَهُ مِنْهُنَّ إلَّا بِقُرْعَةٍ، فَإِذَا قَدِمَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ بَيْنَهُنَّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا، فَأَحَبَّ حَمْلَ نِسَائِهِ مَعَهُ كُلِّهِنَّ، أَوْ تَرْكَهُنَّ كُلِّهِنَّ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْهُنَّ بِالسَّفَرِ، وَهَاهُنَا قَدْ سَوَّى، وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِبَعْضِهِنَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إلَّا بِقُرْعَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ، وَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ فِي الْمُسَافَرَةِ بِبَعْضِهِنَّ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ تَفْضِيلًا لَهَا، وَمَيْلًا إلَيْهَا، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ كَالْبِدَايَةِ بِهَا فِي الْقَسْمِ. وَإِنْ أَحَبَّ الْمُسَافَرَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَقْرَعِ أَيْضًا، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَصَارَتْ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمَتَى سَافَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute