للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ. وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثِهِ شَيْئًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ سِوَى الصَّدَاقِ، لَمْ يُقْبَلْ.

وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ رَجَعَ تَزَوَّجَهَا، وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ إلَى حَالٍ لَا يُتَّهَمُ فِيهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ ثُمَّ بَرَأَ. وَلَنَا، أَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُبِنْهَا، وَفَارَقَ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ.

[فَصْل أَقَرَّ لِوَارِثِ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ]

(٣٩٠٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ كَرَجُلٍ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ، لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا، صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةِ بِدَيْنٍ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، جَازَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. وَحُكِيَ لَهُ قَوْلُ سُفْيَانَ فِي رَجُلٍ لَهُ ابْنَانِ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ، وَتَرَكَ ابْنًا، وَالْأَبُ حَيٌّ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، جَازَ إقْرَارُهُ. فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ. وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِي الصُّورَتَيْنِ مُخَالِفَةً لِمَا قُلْنَا. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مَعْنَى يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الْمِيرَاثِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِحَالَةِ الْمَوْتِ، كَالْوَصِيَّةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَوْلٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ التُّهْمَةُ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَ وُجُودِهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثَبَتَ الْإِقْرَارُ، وَصَحَّ؛ لِوُجُودِهِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا عَنْ تُهْمَةٍ، فَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ.

وَإِذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ، وَقَعَ بَاطِلًا؛ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ الْمِيرَاثُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ، صَحَّ، وَاسْتَمَرَّ، كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ عَدَمُ الْإِرْثِ. أَمَّا الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّهَا عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[فَصْلٌ أَقَرَّ لِوَارِثِ وَأَجْنَبِيٍّ]

(٣٩٠٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، بَطَلَ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَصَحَّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بَعْضَهَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْكُلِّ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَقَرَّ لَهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ الشَّرِكَةِ، فَاعْتَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ بِالشَّرِكَةِ، صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُمَا، وَإِنْ جَحَدَهَا، صَحَّ لَهُ دُونَ الْوَارِثِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَيَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْوَارِثِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَيْنِ، أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>