[فَصْلٌ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ وَالْآخَرُ رِجْلَهُ وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ فَمَاتَ]
(٦٦٣٤) فَصْلٌ: إذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ، فَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ، وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ، فَمَاتَ، فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ اثْنَيْنِ، فَيَأْخُذَ مِنْهُمَا ثُلُثِي الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ، فَإِنْ بَرَأَتْ جِرَاحَةُ أَحَدِهِمْ، وَمَاتَ مِنْ الْجُرْحَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الَّذِي بَرَأَ جُرْحُهُ بِمِثْلِ جُرْحِهِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا دِيَةً كَامِلَةً، أَوْ يَقْتُلَ أَحَدَهُمَا وَيَأْخُذَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الَّذِي بَرَأَ جُرْحُهُ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِيَةَ جُرْحِهِ. فَإِنْ ادَّعَى الْمُوضِحُ أَنَّ جُرْحَهُ بَرَأَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكَاهُ، نَظَرْت فِي الْوَلِيِّ، فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ حُكْمُ الْبُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ قَتْلَهُ، وَلَا مُطَالَبَتَهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ مُوضِحَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَرْشَهَا، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُرْءِ فِيهَا، لَكِنْ إنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُمَا فِي إنْكَارِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا، سَوَاءٌ بَرَأَتْ أَوْ لَمْ تَبْرَأْ.
وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ، لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثَيْهَا. وَإِنْ كَذَّبَهُ الْوَلِيُّ، حَلَفَ، وَلَهُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ، أَوْ مُطَالَبَتُهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ شَرِيكِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثهَا. فَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَرِيكَاهُ بِبُرْئِهَا، لَزِمَهُمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِإِقْرَارِهِمَا بِوُجُوبِهَا، وَلِلْوَلِيِّ أَخْذُهَا مِنْهُمَا إنْ صَدَّقَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا، وَعَفَا وَلِيُّ الدِّيَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهُ، إنْ كَانَا قَدْ تَابَا وَعُدِّلَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ نَفْعًا، فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ.
[فَصْل قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ]
(٦٦٣٥) فَصْلٌ: إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ، ثُمَّ مَاتَ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ بَرَأَتْ قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي، فَالثَّانِي هُوَ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، إنْ عَفَا عَنْ قَتْلِهِ، وَلَهُ قَطْعُ يَدِ الْأَوَّلِ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَبْرَأْ، فَهُمَا قَاتِلَانِ، وَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَإِنْ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي وَحْدَهُ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الثَّانِي قَطْعُ سِرَايَةٍ، قَطَعَهُ وَمَاتَ بَعْدَ زَوَالِ جِنَايَتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْدَمَلَ جُرْحُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَطَعَهُ الثَّانِي عَقِيبَ قَطْعِ الْأَوَّلِ، قُتِلَا جَمِيعًا، وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَوَّلِ حَتَّى أَكَلَ وَشَرِبَ، وَمَاتَ عَقِيبَ قَطْعِ الثَّانِي، فَالثَّانِي هُوَ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ، وَإِنْ عَاشَ بَعْدَهُمَا حَتَّى أَكَلَ وَشَرِبَ، فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءُوا وَيَقْتُلُوهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا قَطْعَانِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَهُمَا، وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدَيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ الثَّانِيَ لَا يَمْنَعُ جِنَايَتَهُ بَعْدَهُ، فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute