بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يُقْتَلُونَ بِهِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَرَبِيعَةَ، وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ يُقْتَلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبَاقِينَ حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَافِئٌ لَهُ، فَلَا تُسْتَوْفَى أَبْدَالٌ بِمُبَدِّلٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ لَمَقْتُولٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] . وَقَالَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] . فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّفْسِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأَوْصَافِ يَمْنَعُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُؤْخَذُ بِالْعَبْدِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْعَدَدِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ قَتْلَ جَمَاعَةٍ بِوَاحِدٍ.
وَلَنَا، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَتَلَ ثَلَاثَةً قَتَلُوا رَجُلًا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَتَلَ جَمَاعَةً بِوَاحِدٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ، فَوَجَبَتْ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ. وَيُفَارِقُ الدِّيَةَ، فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ، وَالْقِصَاصُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ سَقَطَ بِالِاشْتِرَاكِ، أَدَّى إلَى التَّسَارُعِ إلَى الْقَتْلِ بِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ حِكْمَةِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ.
(٦٦٣٣) فَصْلٌ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ التَّسَاوِي فِي سَبَبِهِ، فَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جُرْحًا وَالْآخَرُ مِائَةً، أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا مُوضِحَةً وَالْآخَرُ آمَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا جَائِفَةً وَالْآخَرُ غَيْرَ جَائِفَةٍ، فَمَاتَ، كَانَا سَوَاءً فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّسَاوِي يُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُشْتَرِكِينَ، إذْ لَا يَكَادُ جُرْحَانِ يَتَسَاوَيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ احْتَمَلَ التَّسَاوِي لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَلَا يَكْتَفِي بِاحْتِمَالِ الْوُجُودِ، بَلْ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ الْوَاحِدَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ مِنْهُ دُونَ الْمِائَةِ، كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ الْمُوضِحَةِ دُونَ الْآمَّةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْجَائِفَةِ دُونَ الْجَائِفَةِ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَ إذَا صَارَتْ نَفْسًا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، فَكَانَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ كَحُكْمِ الْوَاحِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ كُلَّهَا فَمَاتَ، وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَمَاتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute