[اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ فِي النِّكَاحِ]
(٥٢٤١) فَصْلٌ: إذَا اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ، كَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ، وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَكْبَرِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَقَدَّمَ إلَيْهِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِّرْ كَبِّرْ. أَيْ قَدِّمْ الْأَكْبَرَ، قَدِّمْ الْأَكْبَرَ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ. وَإِنْ تَشَاحُّوا وَلَمْ يُقَدِّمُوا الْأَكْبَرَ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ اسْتَوَى فِي الْقَرَابَةِ، وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ» لِتَسَاوِي حُقُوقِهِنَّ.
كَذَا هَا هُنَا. فَإِنْ بَدَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَزَوَّجَ كُفُؤًا بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ، صَحَّ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْغَرَ الْمَفْضُولَ الَّذِي وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ، بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِإِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ.
[إنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ]
(٥٢٤٢) قَالَ: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَمْ يُصِبْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ آخِرِ وَقْتٍ وَطِئَهَا الثَّانِي. أَمَّا إذَا عُلِمَ الْحَالُ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي لَهَا، فَإِنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَهُوَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَلَمْ تَحْمِلْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهَا صَدَاقٌ بِالْمَسِيسِ، وَصَدَاقٌ مِنْ هَذَا. وَلَا يُرَدُّ الصَّدَاقُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الدَّاخِلِ بِهَا عَلَى الَّذِي دُفِعَتْ إلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَكَانَ لَهَا دُونَ زَوْجِهَا، كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً. وَلَا يَحْتَاجُ هَذَا النِّكَاحُ الثَّانِي إلَى فَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ. وَلَا يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ إلَّا بِالْوَطْءِ، دُونَ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ لَهُ. وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْإِصَابَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُسَمَّى.
قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا قُلْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[إنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْ النِّكَاحَيْنِ فُسِخَا]
(٥٢٤٣) قَالَ: فَإِنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، فُسِخَ النِّكَاحَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute