وَلَنَا، أَنَّهُ أَمْكَنَ إزَالَةُ الْعُدْوَانِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجُزْ الْقَتْلُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ. وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ التَّرْهِيبِ، لَا عَلَى قَصْدِ إيقَاعِ الْفِعْلِ.
فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَمْرِ، فَلَهُ ضَرْبُهُ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهُ، فَإِذَا انْدَفَعَ بِقَلِيلٍ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْعَصَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِالْحَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ آلَةٌ لِلْقَتْلِ، بِخِلَافِ الْعَصَا.
وَإِنْ ذَهَبَ مُوَلِّيًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ، وَلَا اتِّبَاعُهُ، كَأَهْلِ الْبَغْيِ. وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كُفِيَ شَرَّهُ. وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا، فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، فَقَطْعُ الرِّجْلِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهُ، وَقَطْعُ الْيَدِ غَيْرُ مَضْمُونٍ.
فَإِنْ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ اثْنَيْنِ. وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ.
وَإِنْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَيْنِ قَطْعُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ جُرْحٍ، وَجَرَحَهُ آخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا، وَمَاتَ، كَانَتْ دِيَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْجِرَاحَاتِ، كَذَا هَاهُنَا. فَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْلِ إنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ، وَمَا أَتْلَفَ مِنْهُ فَهُوَ هَدْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالْبَاغِي، وَلِأَنَّهُ اضْطَرَّ صَاحِبَ الدَّارِ إلَى قَتْلِهِ، فَصَارَ كَالْقَاتِلِ لِنَفْسِهِ.
وَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّهُ قُتِلَ لِدَفْعِ ظَالِمٍ، فَكَانَ شَهِيدًا، كَالْعَادِلِ إذَا قَتَلَهُ الْبَاغِي.
[فَصْلٌ وَكُلُّ مَنْ عَرَضَ لِإِنْسَانٍ يُرِيدُ مَالَهُ أَوْ نَفْسَهُ]
(٧٣٨٤) وَكُلُّ مَنْ عَرَضَ لِإِنْسَانٍ يُرِيدُ مَالَهُ أَوْ نَفْسَهُ، فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فِي دَفْعِهِمْ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ بِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ نَهْرٌ كَبِيرٌ، أَوْ خَنْدَقٌ، أَوْ حِصْنٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى اقْتِحَامِهِ، فَلَيْسَ لَهُ رَمْيُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِقِتَالِهِمْ، فَلَهُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُهُمْ.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي اللُّصُوصِ يُرِيدُونَ نَفْسَك وَمَالَك: قَاتِلْهُمْ تَمْنَعْ نَفْسَك وَمَالَك. وَقَالَ عَطَاءٌ، فِي الْمُحْرِمِ يَلْقَى اللُّصُوصَ، قَالَ: يُقَاتِلُهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ قِتَالَ الْحَرُورِيَّةِ وَاللُّصُوصِ تَأَثُّمًا، إلَّا أَنْ يَجْبُنَ. وَقَالَ الصَّلْتُ بْنُ طَرِيفٍ: قُلْت لِلْحَسَنِ: إنِّي أَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، أَخْوَفُ شَيْءٍ عِنْدِي يَلْقَانِي الْمُصَلُّونَ يَعْرِضُونَ لِي فِي مَالِي، فَإِنْ كَفَفْت يَدِي ذَهَبُوا بِمَالِي، وَإِنْ قَاتَلْت الْمُصَلِّيَ فَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْت؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مَنْ عَرَضَ لَك فِي مَالِك، فَإِنْ قَتَلْته فَإِلَى