وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يُحْكَمُ لِلْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِ عَبْدِهِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَجْهًا كَذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهُ، فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْلَاهُ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ، جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَازَ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا، جَازَ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا. وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَدَّرُ هَاهُنَا جَعْلُ تَوْكِيلِ الْعَبْدِ كَتَوْكِيلِ سَيِّدِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا صِحَّةَ تَوْكِيلِ السَّيِّدِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
فَعَلَى هَذَا، إذَا قَالَ الْعَبْدُ: اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ فَصَدَّقَهُ سَيِّدُهُ وَزَيْدٌ، صَحَّ، وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ. وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك. عَتَقَ الْعَبْدُ بِقَوْلِهِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتِقُ بِهِ، وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْعَبْدِ لَهُ، وَكَوْنِ سَيِّدِهِ لَا يَدَّعِيه عَلَيْهِ، فَلَزِمَ الْعَبْدَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ أَنَّهُ لَهُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ، نَظَرْت فِي تَكْذِيبِهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ، حَلَفَ وَبَرِئَ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْجَاعُ عَبْدِهِ؛ لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَكَذَّبَهُ فِي أَنَّك مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك لِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
[فَصْلٌ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي إعْتَاقِ نَفْسِهِ أَوْ امْرَأَتَهُ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا]
(٣٧٧٣) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي إعْتَاقِ نَفْسِهِ، أَوْ امْرَأَتَهُ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، صَحَّ. وَإِنْ وَكَّلَ الْعَبْدَ فِي إعْتَاقِ عَبِيدِهِ، وَالْمَرْأَةَ فِي طَلَاقِ نِسَائِهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْعَبْدُ إعْتَاقَ نَفْسِهِ، وَلَا الْمَرْأَةُ طَلَاقَ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ بِإِطْلَاقِهِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمَا ذَلِكَ، أَخْذًا مِنْ عُمُومِ لَفْظِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، الْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ وَكَّلَ غَرِيمًا لَهُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي إسْقَاطِ حَقٍّ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ تَوْكِيلَ الْعَبْدِ فِي إعْتَاقِ نَفْسِهِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي إبْرَاءِ غُرَمَائِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْرِئَ نَفْسَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي حَبْسِ غُرَمَائِهِ، لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ نَفْسِهِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي خُصُومَتِهِمْ، لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي خُصُومَةِ نَفْسِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ إبْرَاءَ نَفْسِهِ؛ لَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَإِنْ وَكَّلَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، فِي إبْرَاءِ الضَّامِنِ فَأَبْرَأَهُ، صَحَّ. وَلَا يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ. وَإِنْ وَكَّلَ الضَّامِنَ فِي إبْرَاءِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، أَوْ الْكَفِيلَ فِي إبْرَاءِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، فَأَبْرَأَهُ، صَحَّ، وَبَرِئَ الْوَكِيلُ بِبَرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ بَرِئَ الْفَرْعُ بِبَرَاءَتِهِ.
[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ صَدَقَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهُوَ مِسْكِينٌ]
(٣٧٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ صَدَقَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهُوَ مِسْكِينٌ، أَوْ أَوْصَى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ مِنْهُمْ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَأَمَرَهُ بِتَفْرِيقِهِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ، أَوْ دَفْعِهِ إلَى مَنْ شَاءَ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute