مِنْ جَانِبَيْ ثَغْرَةِ النَّحْرِ، أَوْ تَبْزِيغٍ، وَهُوَ فَتْحُ الرَّهْصَةِ، فَلِلرَّاهِنِ فِعْلُ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا. وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بِدَوَاءٍ لَا يُخَافُ مِنْهُ، جَازَ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ، فَأَيُّهُمَا امْتَنَعَا مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ. وَإِنْ كَانَتْ بِهِ آكِلَةٌ كَانَ لَهُ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ تَرْكِهَا لَا مِنْ قَطْعِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِلَحْمِ مَيِّتٍ. وَإِنْ كَانَتْ بِهِ خَبِيثَةٌ، فَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: الْأَحْوَطُ قَطْعُهَا. وَهُوَ أَنْفَعُ مِنْ بَقَائِهَا، فَلِلرَّاهِنِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ. وَإِنْ تَسَاوَى الْخَوْفُ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُرْحًا فِيهِ لَمْ يَتَرَجَّحْ إحْدَاثُهُ. وَإِنْ كَانَتْ بِهِ سِلْعَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ، لَمْ يَمْلِكْ الرَّاهِنُ قَطْعَهَا؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا يُخَافُ مِنْهُ، وَتَرْكَهَا لَا يُخَافُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ جَرِبَةً، فَأَرَادَ الرَّاهِنُ دَهْنَهَا بِمَا يُرْجَى نَفْعُهُ، وَلَا يُخَافُ ضَرَرُهُ، كَالْقَطِرَانِ وَالزَّيْتِ الْيَسِيرِ، لَمْ يُمْنَعْ. وَإِنْ خِيفَ ضَرَرُهُ، كَالْكَثِيرِ، فَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ مُعَالَجَةَ مِلْكِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ مُدَاوَاتَهَا بِمَا يَنْفَعُهَا، وَلَا يُخْشَى ضَرَرُهُ، لَمْ يُمْنَعْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ حَقِّهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ الضَّرَرُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا بِحَقِّ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ كَانَ الرَّهْنُ نَخْلًا فَاحْتَاجَ إلَى تَأْبِيرٍ]
(٣٣٨٣) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ نَخْلًا، فَاحْتَاجَ إلَى تَأْبِيرٍ، فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً بِغَيْرِ مَضَرَّةٍ. وَمَا يَسْقُطُ مِنْ لِيفٍ أَوْ سَعَفٍ أَوْ عَرَاجِينَ، فَهُوَ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ، أَوْ مِنْ نَمَائِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْ الرَّهْنِ. بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ لَيْسَ مِنْهُ. وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ السَّعَفَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْيَانِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدُ الرَّهْنِ، فَكَانَتْ مِنْهُ، كَالْأُصُولِ وَأَنْقَاضِ الدَّارِ. وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ كَرْمًا فَلَهُ زِبَارُهُ، لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ. وَالزَّرَجُونُ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ مُزْدَحِمًا، وَفِي قَطْعِ بَعْضِهِ صَلَاحٌ لِمَا يُبْقِي، فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ تَحْوِيلَهُ كُلَّهُ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَقُ فَيَفُوتُ الرَّهْنُ. وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ فِعْلِ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ الرَّهْنِ.
[فَصْلٌ حُكْم الزِّيَادَة فِي الرَّهْن]
(٣٣٨٤) فَصْلٌ: وَكُلُّ زِيَادَةٍ تَلْزَمُ الرَّاهِنَ إذَا امْتَنَعَ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ اكْتَرَى لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اكْتَرَى مِنْ الرَّهْنِ. فَإِنْ بَذَلَهَا الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. وَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ إذْنِ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، مُحْتَسِبًا، رَجَعَ بِهِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُمَا، أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ، لِيَرْجِعَ بِالنَّفَقَةِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا، وَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ مَعَ إمْكَانِهِ، أَوْ مِنْ غَيْر إشْهَاد بِالرُّجُوعِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِئْذَانِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِيَكُونَ الرَّهْنُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَصِرْ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ: أَنْفَقْت مُتَبَرِّعًا. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ أَنْفَقْت مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute