للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا هُوَ مِثْلُهَا فِي الضَّرَرِ، أَوْ أَدْنَى مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الرَّاعِي، وَلِهَذَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَرْعَ. وَيُفَارِقُ الثَّوْبَ فِي الْخِيَاطَةِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ فِي مَظِنَّةِ الِاخْتِلَافِ، فِي سُهُولَةِ خِيَاطَتِهَا وَمَشَقَّتِهَا، بِخِلَافِ الرَّعْيِ

فَعَلَى هَذَا، لَهُ إبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا. وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهَا، لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِيهِ، وَكَانَ لَهُ إبْدَالُهُ. وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّة، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ وَنَوْعِهِ، إبِلًا، أَوْ بَقَرًا، أَوْ غَنَمًا، أَوْ ضَأْنًا، أَوْ مَعْزًا. وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجَوَامِيسَ وَالْبَخَاتِيَّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ لَا يَتَنَاوَلُهَا عُرْفًا. وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي مَكَان يَتَنَاوَلُهَا إطْلَاقُ الِاسْمِ، احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ نَوْعِ مَا يَرَاهُ مِنْهَا، كَالْغَنَمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ لَهُ أَثَرٌ فِي إتْعَابِ الرَّاعِي، وَيَذْكُرُ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، فَيَقُولُ: كِبَارًا أَوْ سِخَالًا، أَوْ عَجَاجِيلَ أَوْ فِصْلَانًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ قَرِينَةٌ، أَوْ عُرْفٌ صَارِفٌ إلَى بَعْضِهَا، فَيُغْنِي عَنْ الذِّكْرِ

وَإِذَا عَقَدَ عَلَى عَدَدٍ مَوْصُوفٍ كَالْمِائَةِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَعْيُ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، لَا مِنْ سِخَالِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا. وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، لَمْ يَجُزْ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَالْمِائَةِ مِنْ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ تَخْتَلِفُ وَتَتَبَايَنُ كَثِيرًا، إذْ الْعَمَلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ.

[فَصْل مَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ]

(٤٣٠٥) فَصْلٌ: فِيمَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، تَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً، مَعَ بَقَائِهَا بِحُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْأَرْضِ، وَالدَّارِ، وَالْعَبْدِ، وَالْبَهِيمَةِ، وَالثِّيَابِ، وَالْفَسَاطِيطِ، وَالْحِبَالِ، وَالْخِيَامِ، وَالْمَحَامِلِ، وَالسَّرْجِ، وَاللِّجَامِ، وَالسَّيْفِ، وَالرُّمْحِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّا تَجُوزُ إجَارَتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ. وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْحُلِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الْحُلِيِّ: مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إجَارَتِهِ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَأَمَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِتَصْرِيحِ أَحْمَدَ بِجَوَازِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، فِي إجَارَةِ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ: هُوَ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ. وَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ الزِّينَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ. وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَجْرٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَقَدْ احْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا تَحْتَكُّ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَيَذْهَبُ مِنْهَا أَجْزَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، فَيَحْصُلُ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَمُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، فَيُفْضِي إلَى بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَشَيْءٍ آخَرَ. وَلَنَا أَنَّهَا عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَقْصُودَةً، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ مَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، وَالزِّينَةُ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ بِهَا عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢]

وَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ التَّحَلِّي وَاللِّبَاسِ لِلنِّسَاءِ مَا حَرَّمَهُ عَلَى الرِّجَالِ، لِحَاجَتِهِنَّ إلَى التَّزَيُّن لِلْأَزْوَاجِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ حُلِيِّهِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>