أَنَّ التَّمْلِيكَ يَدُلُّ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ، وَالشَّرْعُ قَدْ اعْتَبَرَهُ وَقَضَى بِصِحَّتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ لَا يُنَافِيهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضِ، فَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَاصِرٌ. غَيْرُ صَحِيحٍ، وَجَوَازُ فَسْخِهِ لَا يُوجِبُ قُصُورَهُ، وَلَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ كَبَيْعِ الْمَعِيبِ، وَامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ، كَالْمَرْهُونِ، وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى وُجُودِ مِلْكٍ لَا مَالِكَ لَهُ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَيُفْضِي أَيْضًا إلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ عِوَضِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ إلَى نَقْلِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِهِ فِي عِوَضِهِ، وَكَوْنُ الْعَقْدِ مُعَاوَضَةً يَأْبَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ، إنْ أَمْضَيَا الْبَيْعَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ انْتَقَلَ، وَإِلَّا فَلَا. غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ فَإِنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى سَبَبِهِ النَّاقِلِ لَهُ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِإِمْضَائِهِ وَفَسْخِهِ، فَإِنَّ إمْضَاءَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضِي وَلَا شَرْطًا فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ لَيْسَ بِمَانِعٍ؛ فَإِنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَقَدَّمُ الْمَانِعَ، كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ وَلَا شَرْطَهُ. وَلِأَنَّ الْبَيْعَ مَعَ الْخِيَارِ سَبَبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ عَقِيبَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُفْسَخْ، فَوَجَبَ أَنْ يُثْبِتُهُ وَإِنْ فُسِخَ، كَبَيْعِ الْمَعِيبِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[فَصْلٌ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّات الْمَبِيعِ وَنَمَائِهِ الْمُنْفَصِلِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ]
(٢٧٦١) فَصْل: وَمَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّاتِ الْمَبِيعِ؛ وَنَمَائِهِ الْمُنْفَصِلِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، أَمْضَيَا الْعَقْدَ، أَوْ فَسَخَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَوُهِبَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ: فَالْمَالُ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمْضَيَا الْعَقْدَ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ مَوْقُوفٌ. فَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ. فَالنَّمَاءُ لَهُ.
وَإِنْ فَسَخَا الْعَقْدَ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ، أَوْ مَوْقُوفٌ. فَالنَّمَاءُ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَرَاجُهُ لَهُ. وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِالْبَيْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَمَاؤُهُ لَهُ، كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ إذَا فَسَخَا الْعَقْدَ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قُلْنَا: إنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ. فَأَمَّا النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْمَبِيعِ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ، أَوْ فَسَخَاهُ، كَمَا يَتْبَعُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُقَايَلَةِ.
[فَصْلٌ ضَمَانُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ]
(٢٧٦٢) فَصْلٌ: وَضَمَانُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَكِيلًا، وَلَا مَوْزُونًا. فَإِنْ تَلِفَ، أَوْ نَقَصَ، أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَغَلَّتُهُ لَهُ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ،