[فَصْل اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ فِي الْمُلَاعَنَةِ]
(٦٢٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ، فَمَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ. قَالَ: لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَمِنْ أَجَازَ نَفْيَهُ، قَالَ: لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِوُجُودِهِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَوَقْفِ الْمِيرَاثِ، فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَالْمَوْلُودِ، وَإِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ الْوَضْعِ. وَمَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ. قَالَ: لَوْ صَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لَزِمَهُ بِتَرْكِ نَفْيِهِ كَالْمَوْلُودِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. وَلِأَنَّ لِلشَّبَهِ أَثَرًا فِي الْإِلْحَاقِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الْوَضْعِ، فَاخْتُصَّ صِحَّةُ الِاسْتِلْحَاقِ بِهِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمَّ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا إنْ سَكَتَ عَنْهُ، فَلَمْ يَنْفِهِ، وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَحَدٍ عَلِمْنَا قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودَهُ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَهَا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ.
[فَصْلٌ وَلَدْت امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَسَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ مَعَ إمْكَانِهِ الْمُلَاعَنَةَ]
(٦٢٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا وَلَدْت امْرَأَتُهُ وَلَدًا، فَسَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ، مَعَ إمْكَانِهِ، لَزِمَهُ نَسَبُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَتَقَدَّرُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ، بَلْ هُوَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، إنْ كَانَ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَوْ ظَمْآنَ فَحَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ، أَوْ يَنَامَ إنْ كَانَ نَاعِسًا، أَوْ يَلْبَسَ ثِيَابَهُ وَيُسْرِجَ دَابَّتَهُ وَيَرْكَبَ وَيُصَلِّيَ إنْ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُحْرِزَ مَالَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرَزٍ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ أَشْغَالِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ تَأْخِيرُ نَفْيِهِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ يَشُقُّ، فَقُدِّرَ بِالْيَوْمَيْنِ لِقِلَّتِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَتَقَدَّرُ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْوِلَادَةِ فِي الْحُكْمِ.
وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَكَانَ لَهُ نَفْيُهُ، كَحَالَةِ الْوِلَادَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ، كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» . عَامٌّ خَرَجَ مِنْهُ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ مَعَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، فَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى عُمُومِ الْحَدِيثِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْطُلُ بِخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَتَقْدِيرُهُ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ يَبْطُلُ أَيْضًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ، وَلَا الْحَمْلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَرَرُهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَهَلْ يَتَقَدَّرُ الْخِيَارُ فِي النَّفْيِ بِمَجْلِسِ الْعِلْمِ، أَوْ بِإِمْكَانِ النَّفْيِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: بِنَاءً عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute