للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاتَيْنِ، وَصَلَّى مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَأْمُومٌ ثَانٍ، صَحَّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَحَدُ مَنْ يَتِمُّ بِهِ الْجَمْعُ، فَلَمْ يَجُزْ اخْتِلَافُهُ، وَإِذَا اُشْتُرِطَ دَوَامُهُ كَالْعُذْرِ اُشْتُرِطَ دَوَامُهُ فِي الصَّلَاتَيْنِ.

وَلَنَا، أَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا، وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ بِنِيَّتِهَا، فَلَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ الْإِمَامِ وَلَا الْمَأْمُومِ، كَغَيْرِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ أَحَدُ مَنْ يَتِمُّ بِهِ الْجَمْعُ. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ الْجَمْعُ مُنْفَرِدًا وَفِي الْمَطَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْجَمْعَ فِي الْمَطَرِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْجَمَاعَةِ. فَاَلَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْجَمْعُ الْجَمَاعَةُ، لَا عَيْنُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَلَمْ تَخْتَلَّ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، لَوْ ائْتَمَّ الْمَأْمُومُ بِإِمَامٍ لَا يَنْوِي الْجَمْعَ، فَنَوَاهُ الْمَأْمُومُ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّى الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ، جَازَ.

لِأَنَّنَا أَبَحْنَا لَهُ مُفَارَقَةَ إمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِعُذْرِ، فَفِي الصَّلَاتَيْنِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ نِيَّتَهُمَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فِي غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى إتْمَامَ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِمُقِيمِينَ، فَنَوَى الْجَمْعَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ الْأُولَى قَامَ فَصَلَّى الثَّانِيَةَ، جَازَ عَلَى هَذَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى أَحَدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ يُصَلُّونَ الثَّانِيَةَ، فَأَمَّهُمْ فِيهَا، أَوْ صَلَّى مَعَهُمْ مَأْمُومًا، جَازَ. وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ نَسِيَ صَلَاةَ حَضَرٍ فَذَكَرِهَا فِي السَّفَرِ]

(١٢٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا نَسِيَ صَلَاةَ حَضَرٍ، فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، أَوْ صَلَاةَ سَفَرٍ، فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، صَلَّى فِي الْحَالَتَيْنِ صَلَاةَ حَضَرٍ) . نَصَّ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْأَثْرَمِ.

قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَمَّا الْمُقِيمُ إذَا ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، فَذَاكَ بِالْإِجْمَاعِ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَإِذَا نَسِيَهَا فِي السَّفَرِ، فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، صَلَّى أَرْبَعًا بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ السَّاعَةَ، فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ: " فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ". أَمَّا إذَا نَسِيَ صَلَاةَ الْحَضَرِ، فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، فَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ إجْمَاعًا، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا أَرْبَعًا، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ النُّقْصَانُ مِنْ عَدَدِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ، وَقَدْ فَاتَهُ أَرْبَعٌ.

وَأَمَّا إنْ نَسِيَ صَلَاةَ السَّفَرِ، فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَدَاوُد، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُصَلِّيهَا صَلَاةَ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ، وَلَمْ يَفُتْهُ إلَّا رَكْعَتَانِ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَيَبْطُلُ بِزَوَالِهِ، كَالْمَسْحِ ثَلَاثًا.

وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ". وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا فِي الْحَضَرِ، غَلَبَ فِيهَا حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَتْ بِهِ السَّفِينَةُ الْبَلَدَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَكَالْمَسْحِ. وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ، وَبِالْمُتَيَمِّمِ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، فَقَضَاهَا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>