وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ مِنْ الْمَاء مَا لَا يُحِسُّ بِهِ، فَيُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَعَ الْعَزْلِ، فَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَعْزِلُ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ، فَجَاءَتْ بِحَمْلِ فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُلْحِقْ بِآلِ عُمَرَ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ آلَ عُمَرَ لَيْسَ بِهِمْ خَفَاءٌ. فَوَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَتْ: مِنْ رَاعِي الْإِبِلِ. فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَارِسِيَّةٌ، وَكَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ، وَجَلَدَهَا الْحَدَّ، وَقَالَ: إنَّمَا كُنْت اسْتَطَبْتُ نَفَسَكَ، وَلَا أُرِيدُكِ. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: مِمَّنْ حَمَلْت؟ قَالَتْ مِنْك. فَقَالَ: كَذَبْت، وَمَا وَصَلَ إلَيْك مِنِّي مَا يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ، وَمَا أَطَأُكِ، إلَّا أَنِّي اسْتَطَبْت نَفَسَكَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِيرُ فِرَاشًا، وَلَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِوَلَدِهَا، فَيَلْحَقَهُ أَوْلَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا خَالَفَهَا.
[فَصْلٌ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الدُّبُرِ أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَهَلْ يَلْحَقهُ وَلَدهَا]
(٨٨٥٠) فَصْلٌ: وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، وَتَصِيرُ فِرَاشًا بِهَذَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُجَامِعُ، فَيَسْبِقُ الْمَاءُ إلَى الْفَرْجِ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهَذَا فِرَاشًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْأَصْلِ إلَّا بِنَاقِلٍ عَنْهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَحِقَهُ الْوَلَدُ مِنْ أَمَتِهِ، إذَا حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ، فَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ، لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ.
[مَسْأَلَة أَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]
(٨٨٥١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَأَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، أَحْكَامُ الْإِمَاءِ، فِي جَمِيعِ أُمُورِهِنَّ، إلَّا أَنَّهُنَّ لَا يُبَعْنَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، وَوَلَدَتْ مِنْهُ، ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ؛ فِي حِلِّ وَطْئِهَا لِسَيِّدِهَا، وَاسْتِخْدَامِهَا، وَمِلْكِ كَسْبِهَا، وَتَزْوِيجِهَا، وَإِجَارَتِهَا، وَعِتْقِهَا، وَتَكْلِيفِهَا، وَحَدِّهَا، وَعَوْرَتِهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجَارَتَهَا وَتَزْوِيجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا، فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا وَإِجَارَتَهَا، كَالْحُرَّةِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا، فَيَمْلِكُ سَيِّدُهَا تَزْوِيجَهَا، وَإِجَارَتَهَا، كَالْمُدَبَّرَةِ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تَعْتِقَ بِمَوْتِهِ، وَبَيْعُهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ. وَيَبْطُلُ دَلِيلُهُمْ بِالْمَوْقُوفَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ عِنْدَ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْأَمَةَ الْقِنَّ، فِي أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute